(١٠٨) - {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ}.
وقوله تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ}: أي: المذكورون في أوَّل هذه السُّورة، وهم مشركو قريشٍ {قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ}: قال ابنُ عبَّاس رضي اللَّه عنهما: يعني جاءكم محمَّد -صلى اللَّه عليه وسلم- بالقرآن (١).
وقيل: أي: ببيان ما يحقُّ عليكم أن تعتقدوه، وتقولوا به، وتعملوا عليه.
وقال الإمامُ أبو منصور رحمه اللَّه -بعدَما ذَكَرَ أنَّ الحقَّ هو محمَّدٌ -صلى اللَّه عليه وسلم-: وقيل: هو القرآن، ويُشْبِه أن يكون هو الدِّينَ الذي شكُّوا فيه؛ أي: قد جاءكم ما يزيلُ عنكم ذلك الشَّكَّ إنْ لم تكابروا في الحججِ والبراهين (٢).
{فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ}: أي: فمَنْ سلَكَ سبيلَ الرَّشاد المؤدِّي إلى الحقِّ الَّذي جئْتُ به فإنَّما يهتدي لنفسِه بما يفوزُ مِن رضاءِ خالقِه ومِن ثوابِه، بالنَّعيم المقيم الَّذي لا يشوبُه كَدَرٌ ولا يلحقُه غِيَرٌ.
{وَمَنْ ضَلَّ}: عن هذا السَّبيلِ فوقعَ في غيرِهِ {فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا}: على نفسِه؛ أي: ضرُّه على نفسِه باعوجاجِه عن طريقِ الحقِّ، لا يَضرُّ خالقَه بضلالِه، كما لا ينفعُه باهتدائِه.
{وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ}: قال الحسنُ: أي: بحفيظٍ يحفظُ أعمالَكم، إنَّما أنا نذيرٌ، واللَّهُ الحافظُ عليكم أعمالكم (٣).
وقيل: أي: لسْتُ مسلَّطًا على إدخالِ الإيمانِ في قلوبِكُم، وإنَّما أنا مبلِّغٌ مُرْشِدٌ.
(١) ذكره الواحدي في "البسيط" (١١/ ٣٣٦)، وانظر: "تنوير المقباس" للفيروزابادي (ص: ١٨٠).
(٢) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٦/ ٩٢ - ٩٣).
(٣) ذكره الماوردي في "تفسيره" (٢/ ١٢٨)، والواحدي في "البسيط" (٨/ ٢٠٥).