(١٠٩) - {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}.
وقوله تعالى: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ}: أي: لسْتَ عليهم بوكيلٍ مسلَّطٍ على قلوبِهم فتتصرَّفَ فيها، ولكنَّكَ مبلِّغٌ فاتَّبعْ وحيَنا.
وقال الحسنُ: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}: مِنْ دِيْنِه الَّذي بيَّنه في كتابِه (١).
ثمَّ عزَّاه فقال: {وَاصْبِرْ}: على ما تسمعُ منهم مِن الأذى والتَّكذيبِ لك {حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ} تعالى، فيأتيَكَ أمرُهُ ونهيُه وحكمُه، وما وعدَك مِن إظهارِ دينِه (٢) ونصرِكَ.
{وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} في عدلِ حُكمِه، وإنجازِ وعدِه، وصدقِ كلماتِه.
وقيل: {وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} لأنَّه لا يلحقُه في حكمِه زللٌ ولا خللٌ، ولا يمنعُه عن إمضائِه مانعٌ.
وقال ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما: كان مِن حكمِه أمرُه بالقتال، ونَسَخَ بِهِ: {وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} (٣).
وقال الضَّحَّاكُ: حكَم بالقتل يومَ بدر وأُحُد والأحزاب.
وقال أنسٌ رضي اللَّه عنه: لَمَّا نزلَتْ هذه الآية بعثَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى الأنصار، فجمَعهم ولم يجمعْ معهم غيرهم، وقال: "إنَّكم ستجدون بعدي أَثَرةً فاصبروا حتَّى
(١) نحوه بلا نسبة في "تفسير السمرقندي" (٢/ ١٣٦).
(٢) في (ر) و (ف): "دينه الذي بينه".
(٣) ذكره الواحدي في "البسيط" (١١/ ٣٣٧). وقال ابن الجوزي في "نواسخ القرآن" (ص: ١٦١): روى أبو صالح عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: هذه الآية منسوخة بآية القتال، وهذا لا يصح عن ابن عباس، وقد بينّا أنه لا يتوجه النسخ في مثل هذه الأشياء، لأن معنى الآية: ما أنا بوكيل في منعكم من اعتقاد الباطل وحافظٍ لكم من الهلاك إذا لم تعملوا أنتم لأنفسكم ما يخلصها.