فهو الاستسرار والاستتار مِن رسولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأنَّهم كانوا يُظهرون موافقَتَه ويضمرون مخالفَتَه، وإن كانت الآيةُ في المشركين فهو على الاستسرار والاستتار مِن اللَّهِ عزَّ وجلَّ؛ لأنَّهم كانوا لا يبالون بمخالفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعندهم أنَّ اللَّهَ لا يطَّلِعُ على ما يسرُّون.
وفيه دلالة على نبوَّة محمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ حيث أخبر عن ضمائرِهم، فثبتَ أنَّه علِم ذلك باللَّه (١).
* * *
(٦) - {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}.
وقولُه تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}: أي: وما مِن شيء مِن الحيوانات التي تدبُّ على الأرض إلَّا واللَّهُ تعالى متكفِّل برزقِها؛ أي: بما يُقيمُها؛ إذ الحيُّ مِن الخلقِ لا بُدَّله ممَّا يقيمُ حياته، ولا قيام للحيوانات إلَّا بكفايتها (٢)، وهي رزقُها.
قال مجاهدٌ: ما جاءَها مِن رزقٍ فمِنَ اللَّهِ، وربَّما لم يرزقْها حتَّى تموتَ جوعًا، ولكن ما كان مِن رزقٍ فمِنَ اللَّهِ، و {عَلَى} بمعنى (من) (٣)، كقوله تعالى: {اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ} المطففين: ٢
وقوله تعالى: {وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا}: أي: ويعلمُ مستقرَّها مِن الأرضِ
(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٦/ ٩٧).
(٢) في (ر): "بكلفتها"، وفي (ف): "بتكلفاتها".
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" (١٢/ ٣٢٤)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٦/ ٢٠٠١).