حيثُ تأوي إليه، وموضعَها الذي تموتُ فيه، أو تُدفَن فيه فتُسْتَودعُ فيه إليه إلى حين تنبعث.
وقال مجاهدٌ: {مُسْتَقَرَّهَا} في الأرحام، {وَمُسْتَوْدَعَهَا} في الأصلاب (١).
وقوله تعالى: {كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}: أي: في اللَّوحِ المحفوظِ مكتوبٌ.
وقيل: يُكتَب الآنَ موجودًا، كما كُتِبَ في اللَّوح المحفوظِ معلومًا؛ يعني: مَن كانت هذه قدرتُه، وهذه صفتُه في الإحاطة في الأشياء، كيفَ يخفى عليه ما يفعلُه هؤلاء المشركون مِن ثني صدورِهم ظانِّين أنْ يخفى عليه ذلك؟
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: قيل: {مُسْتَقَرَّهَا} باللَّيل، {وَمُسْتَوْدَعَهَا} بالنَّهار في معايشِها، ويُشْبه أن يكون هذا إخبارًا عن العلم بها في كلِّ حالٍ مِن سكونِها وحركتِها، يخبرُ أنَّه إذا لم يَخْفَ عليه كونُ كلِّ دابَّة في بطن الأرض، وما كان في الأرحام، وما استُودِعَ في الأصلابِ، كيف تخفى عليه أعمالُكم الَّتي عليها العقاب ولكم بها الثَّواب (٢).
وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: أراحَ القلوبَ عن تعبِ التَّقسيم، والأفكارَ عن نَصَبِ التَّفكير (٣) في باب الرِّزق، حيث قال: {إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}، فسكنَتِ القلوبُ لَمَّا تحققَّتْ أنَّ الرِّزقَ على اللَّه تعالى.
قال النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا أُحِيْلَ أحدُكُمْ على مَلِيءٍ فَلْيَحْتَلْ" (٤).
(١) رواه الطبري في "تفسيره" (١٢/ ٣٢٦).
(٢) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٦/ ٩٩).
(٣) في جميع النسخ: "الترحم"، والمثبت من "لطائف الإشارات".
(٤) رواه البخاري (٢٢٨٧)، ومسلم (١٥٦٤)، من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه، ولفظهما: "إذا أُتبع أحدكم على مليء فليتْبع".