وقيل: ما غاب عنه صاحبُه لاستغراقِه في شُهود المعبود (١).
وقوله تعالى: {وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} وصلَ هذا بما ذكرَ مِن خلقِ السَّماوات والأرض؛ لأنَّ ذلك ذُكِرَ أساسًا لهذا؛ أي: خلقناها على الاتِّساق والانتظام دلالةً على الخالق القادر، وكان خلقُها للمُمْتَحنِيْن، وما خُلِقَتْ لأنفسِها، لانَّها للفناء، ولو كان لذلك -لا للابتلاء- كان عبثًا، وبالابتلاء ظهرَ المحسِنُ والمسيءُ، وجزاءُ ذلك بعدَ البعثِ.
ولو قلْتَ يا محمَّد للمشركين: إنكم مبعوثون للجزاء على ما انكشفَ بالابتلاء، أنكروا وتعجَّبوا، وقالوا: ما هذا القولُ إلَّا سحرٌ ظاهرٌ؛ أي: خديعةٌ منكم لنا، ومنعٌ عن لذَّات الدُّنيا وزينتِها، واجترارٌ إلى الانقيادِ لكم والدُّخولِ في طاعتكم.
وقال الإمام الزَّاهد أبو منصور رحمه اللَّه: قوله تعالى: {إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ} نفسُ هذا الكلام لا يحتمِل أنَّه يُسمَّى سحرًا، لكن معناه: أنَّه إذا أخبرهُم بِه، وأقام الحُججَ والبراهينَ عليه، قالوا للحججِ والبراهينِ عليه: هذا سحرٌ.
ويحتملُ وجهًا آخر: وهو أنَّه بيانُ سَفههِم، أنَّهم اعتادوا نسبةَ كلِّ شيءٍ إلى السِّحرِ حتَّى الأشياء الَّتي لا تحتملُ السِّحرَ، وهي الأخبارُ؛ لأنَّ السِّحرَ إنَّما يكون في تقليب الأشياء، فأمَّا فيما يُخبِرُ عن شيءٍ يكون فلا (٢).
* * *
(٨) - {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}.
(١) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (٢/ ١٢٥).
(٢) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٦/ ١٠١).