ثمَّ نظرَ إليها بالهيبة فصارَتْ ماءً، ثمَّ خَلَقَ الرِّيحَ فجعلَ الماءَ على متنِها، ثمَّ وضعَ العَرْشَ على الماء (١).
وقوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}؛ أي: خلقَ جميعَ ذلك ليعامِلَ عبادَه معاملةَ المختبِر لهم، مظاهرةً في الاحتجاج عليهم؛ ليمتثلوا أمرَه، ويؤدُّوا على نعمهِ شكرَه، ويستدلوا بآياتِه على وحدانيَّتِه وقدرَتِه على ما يشاء، وفي ذلك إثباتُ البعثِ لِيُجازيَ المحسِنَ على إحسانِهِ، والمسيءَ على إساءَتِه.
ومعنى الابتلاءِ: فعلُ ما يظهرُ به الشَّيء وإنْ كان معلومًا، أَلا ترى أنَّ الرَّجلَ قد يخالفُ الرَّجلَ في جودة فضَّته ورداءتها، وهو عالمٌ بحقيقةِ ما يقول، فيقول لصاحبِهِ: تعالَ ندخلْها النَّارَ، فننظرَ أجيِّدة هي أم رديئة.
وقوله: {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} قال ابنُ عبَّاس رضي اللَّه عنهما: أيُّكم أعملُ بالطَّاعة.
وقال مقاتلٌ: أيُّكم أتقى للَّه.
وقال الحسنُ: ايُّكم أزهدُ في الدُّنيا وأتركُ لها (٢).
وقال الإمامُ القشيريُّ رحمه اللَّه: أحسنُ الأعمالِ ما غابَ عن ملاحظةِ عاملِهِ.
وقال: هو ما ينظرُ إليه صاحبُه بعين الاستصغار والاستقلال.
وقيل: أحسنُ الأعمال ما لا يطلبُ صاحبُه عليه عوضًا.
(١) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٥/ ١٥٨)، والبغوي في "تفسيره" (٤/ ١٦٢). وظاهر أنها من الإسرائيليات.
(٢) ذكر هذه الآثار الثلاثة الثعلبي في "تفسيره" (٥/ ١٥٩).