وقوله تعالى: {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}: أي: تتَّعظون، استفهام بمعنى الأمر؛ أي: اتَّعِظوا.
* * *
(٢٥) - {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ}.
وقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ}: وذكرَ قصصَ الأنبياءِ تنبيهًا على ما يلزم (١) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الصَّبر على أذى قومِه المشركين، وتحذيرًا للمشركين أنْ ينزلَ بهم في تكذيب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما نزل بالأوَّلين في تكذيب المرسلين، وتبشيرًا للمؤمنين بالنَّصر والنَّجاة والتَّمكين.
وقال ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما: سُمِّيَ نوحًا لكثرة نياحه على نفسِه (٢).
وذُكر (٣) أنَّه مرَّ بكلبٍ فقال: ما أقبحَهُ! فأوحى اللَّه تعالى إليه: أنِ اخلقْ أنتَ أحسنَ منه، فأخذَ يبكي وينوحُ على نفسِه حتَّى أوحى اللَّهُ إليه: يا نوحُ، كم تنوحُ (٤)؟
فإذا كان في طول عمرِه فعلَ فعلةً واحدةً أو قالَ كلمةً واحدةً لم يؤذَنْ له فيها، فناحَ على نفسِه إلى أنْ سُمِّيَ بالنَّيَّاحِة، فكيفَ حالُ مَن لا يذكرُ يومًا مضى مِن عمرِهِ في مدَّةِ تكليفِه إلَّا على ذنوبٍ كثيرةٍ؟
وقوله تعالى: {إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ}: قرأ ابنُ كثير وأبو عَمرو والكسائيُّ:
(١) في (أ): "تنبيها في تكذيب رسول" بدل: "تنبيها على ما يلزم".
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٧/ ٤٤).
(٣) في (ر) و (ف): "وذلك".
(٤) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٧/ ٤٤)، والقشيري في "لطائف الإشارات" (٢/ ١٣١)، دون نسبة، والظاهر أنه من أباطيل أهل الكتاب.