{وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}: أي: وإنْ لم تسترْ عليَّ ما مضى من هذا السُّؤال، ولم ترحمني بقَبول إنابتي، أكنْ مِن الهالكين.
وهذا ثناءٌ مِنَ اللَّهِ تعالى على نبيِّه نوح، وتعريفٌ لنبيِّه محمَّد صلَّى اللَّه عليهما وسلَّم تعظيمَ الأنبياء قبلَه أمرَ اللَّهِ، وتَوَقِّيهم عن تقصيرٍ يقعُ منهم أو انبساطٍ وإنْ قَلَّ.
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: قوله تعالى: {وَتَرْحَمْنِي}؛ أي: بالعصمة عن العَود إلى مثلِه {أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
وقوله تعالى: {وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي} هو طلبُ المغفرةِ والرَّحمةِ بالكناية، وهو آكدُ وأبلَغُ مِن قوله: (اللَّهم اغفرْ لي وارحمْني)؛ لأنَّ قولَه: {وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي} قطعُ رجاءِ المغفرةِ والرَّحمةِ مِن غيرِه، وإخبارٌ أنَّه لا يملِكُ أحدٌ ذلك غيرَه، وليس في قوله: (اغفرْ لي وارحمْني) قطعُ كونِ ذلك مِن غيرِه، بل هو يدلُّ على طلبِ المغفرةِ والرَّحمة لا غيرَ، وعلى ذلك سؤالُ آدم وحوَّاء: {وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} الأعراف: ٢٣ (١).
* * *
(٤٨) - {قِيلَ يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
وقوله تعالى: {قِيلَ يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ}؛ أي: قلْنا له؛ لأنَّه قال: {بِسَلَامٍ مِنَّا}.
وقيل: قالَتِ الملائكةُ بأمرِنا.
(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٦/ ١٣٨).