وقوله تعالى: {أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ}: أي: لا يحملنَّكم ذلك أنْ تُصِرُّوا على الكفرِ، فيصيبَكُم مثلُ ما أصابهم.
{وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ}: أي: لم يبعدِ العهدُ بما جَرَى عليهم.
وقال الإمام أبو منصورٍ رحمَه اللَّه: ذكَّرَهم حالَ هذهِ الأمم؛ لأنَّهم كانوا يقلِّدون آباءَهم، فيقول: فعلوا ذلك لكن أصابَهم ما أصابَهم، فاجتنِبوا ذلك.
ويقول أيضًا: إنْ قلَّدْتُم الَّذين عبدوا الأوثان فهلكوا، فهلَّا تقلِّدون الَّذين لم يعبدوها فنَجَوا (١).
* * *
(٩٠) - {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ}.
وقوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ}: قد فسَّرناه في هذه السُّورة مرارًا.
{إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ} بمن استغفرَه وتابَ إليه {وَدُودٌ} مِن الوُدِّ؛ وهو الحُبُّ، ويجوزُ أن يكون بمعنى الوادِّ، ويجوز أن يكون بمعنى المودود، فإنَّ الفَعول (٢) يصلح لهما.
(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٦/ ١٧٣).
(٢) في (أ): "الفعل"، وفي (ر) و (ف): "المفعول". والصواب المثبت. قال الزجاجي في "تفسير أسماء اللَّه الحسنى" (ص: ٥٢): (الوَدُود يجوز أن يكون فَعولًا بمعنى فاعل ويجوز أن يكون فَعولًا بِمَعْنى مفعول).
ومن العلماء من جمع المعنيين معًا، قال ابن القيم في "التبيان في أيمان القرآن" (ص: ١٤٦): (والتحقيقُ: أنَّ اللفظ يدلُّ على الأمرين؛ على كونه وادًّا لأوليائه، مودُودًا لهم، فأحدهما بالوَضْع، والآخر باللزوم. فهو الحبيبُ المُحِبُّ لأوليائه، يحبُّهم ويحبُّونه).
وقوله: (فأحدهما بالوَضْع، والآخر باللزوم)، شرحه في قول الزجاجي: (واللَّه تعالى وصف نَفسه في مَوَاضِع بأنَّه يُحِبُّ، ولا يُحِبُّ إلا وهو أيضًا مَحْبُوب مودود عند أوليائه).