وقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}: أي: وقد كنْتَ من قبل هذا الوحي من الغافلين عن هذه القصَّة ونحوها؛ أي: وما كنْتَ من قبلِه إلَّا من الغافلين، فإنَّ كلمة (إنْ) المخفَّفة مع اللَّام بعدها لها طريقان، على ما مرَّ مرارًا.
وقال الإمام الزَّاهد أبو منصور رحمه اللَّه: وهذا يدلُّ على أنَّ الإيمان بجملة الأنبياء والرُّسل إيمانٌ وإن لم تُعرَف أنفسهم وأسماؤهم وقصصهم (١).
والغفلةُ ثلاثة أنواعٍ: مذمومةٌ، ومحمودةٌ، وغيرُ مذمومةٍ ولا محمودة.
فالمذمومة: الغفلةُ عن اللَّه تعالى، وعن ذكرِه، وعن الآخرة؛ قال اللَّه تعالى: {عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ} يونس: ٧، وقال تعالى: {وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} الروم: ٧.
والمحمودةُ: هي الغفلة عن الشَّرِّ (٢)، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ} النور: ٢٣.
وغيرُ المحمودةِ والمذمومةِ في هذه الآية.
والغفلةُ عن الشَّيء هي ألَّا يخطر ذلك بباله.
وروي أنَّ الصَّحابة رضي اللَّه عنهم قالوا: يا رسولَ اللَّه، لو قصصْتَ علينا، فأنزل اللَّه تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} فقالوا: يا رسول اللَّه؛ لو وعظْتَنا وذكَّرتنا؛ فأنزل اللَّه تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} الحديد: ١٦ (٣).
(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٦/ ٢٠٦).
(٢) في (ف): "البشر".
(٣) رواه البزار في "مسنده" (١١٥٣)، وأبو يعلى في "مسنده" (٧٤٠)، وابن حبان في "صحيحه" (٦٢٠٩)، والضياء في "المختارة" (١٠٦٩)، من حديث سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنه. وحسنه الحافظ ابن حجر في "المطالب العالية" (٣٦٣٤).