والغيابةُ في أصلِ اللُّغة: القَعرُ؛ أي: الموضعُ الَّذي يغيبُ فيه صاحبُه، وكلُّ ما غيَّبَ (١) شيئًا عن الحسِّ يكون فيه فهو غَيابةٌ، والقبر يسمَّى بذلك، قال الشَّاعر:
وإنْ أنا يومًا غيَّبتْني غيابَتي... فسيروا بسَيْري في العَشيرَةِ والأهْلِ (٢)
والجُبُّ: البئرُ الَّتي لم تُطوَ (٣)، تُسمَّى بذلك لأنَّه غُيِّبَ عنها ترابُها؛ أي: قُطِعَ، وقال الأعشى:
لَئِنْ كنْتَ في جُبٍّ ثمانينَ قامةً... وَرُقِّيْتَ أسبابَ السَّماءِ بِسُلَّمِ
لَيَسْتدْرِجَنْكَ القولُ حتَّى تَهِرَّهُ... وتعلَمَ أنِّي عندَكُمْ غيرُ مُلْجَمِ (٤)
وقولُه تعالى: {يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ}: والالتقاطُ: تناولُ الشَّيءِ مِن الطَّريق، ومنه: اللُّقَطةُ واللَّقيط.
والسَّيَّارةُ: العيرُ، وقيل: مارَّةُ الطَّريقِ.
يقولُ: ألقُوهُ في أسفلِ بئرٍ عميقٍ قليلةِ الماءِ على ممرِّ السَّيَّارةِ والقوافلِ يلتقطْهُ بعضُهم، فيخلوا لكم مكانُه مِن غير ارتكابِ الأمرِ العظيمِ -وهو القتل- ويحصلْ لكم المقصودُ الآخرُ؛ وهو رميُكُمْ إيَّاهُ البلد الثَّاني (٥) مِن غيرِ أنْ تحتاجوا إلى تكلُّفِ سفرٍ فيه (٦) بأنفسِكم.
(١) في (ف): "يغيّب فيه".
(٢) البيت للمنخل بن سبيع العنبري كما في "مجاز القرآن" (١/ ٣٠٢)، و"الكشاف" (٢/ ٤٤٧). وهو في "معاني القرآن" للزجاج (٣/ ٩٤) رواية: (غيبتني منيتي).
(٣) طوى البئر: عرشها بالحجارة والآجر.
(٤) البيتان للأعشى، وهما في "ديوانه" (ص: ٨٢). وتَهِره: تكرهه.
(٥) في (ف): "البئر والثاني"، ولعل الصواب: البلد النائي.
(٦) "فيه" ليس في (ف).