كذبَ، وإذا اؤتمِنَ خانَ، وإذا وعدَ أخلفَ" (١)، فكيف توفِّق بينَ الآية والخبر، إذ هو لا يحتملُ النَّسخَ لأنَّه خبرٌ، والخبرُ لا يحتملُ النَّسخَ؟
قيل: يشبه أن يكون هذا في قومٍ خاصٍّ، اؤتمنوا ما أُودِعَ في التَّوراة مِن نعتِ (٢) محمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم- فغيَّروا، ووعدوا أن يبيِّنوه فأخلَفوا وكتموه، وحدَّثوا أنَّهم بيَّنوه فكذَبوا.
أو يصير منافقًا ممَّا ذُكرَ (٣) إذا كان ذلك في أمر الدِّين، فأمَّا في غيره فإنَّه لا يصير به منافقًا، ولا يكون ذلك مِن أعلام المنافق، واللَّه تعالى أعلم (٤).
وقال في قوله تعالى: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ}: {فَصَبْرٌ}؛ أي: كفُّ النَّفسِ عن الجزعِ، {جَمِيلٌ} لا مكافأة فيه، فإنَّهم بما فعلوا كانوا مستوجِبين ذلك (٥).
* * *
(١٩) - {وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَابُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ}.
وقوله تعالى: {وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَابُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ}: قرأ ابن كثيرٍ ونافع وأبو عمرو (٦): {يا بشراي}؛ أي: بالألف مضافةً بالياء، وقرأ الباقون: {يَابُشْرَى} غير مضافٍ (٧).
(١) رواه البخاري (٣٣)، ومسلم (٥٩)، من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه.
(٢) في (ف): "بعث".
(٣) في (أ): "منافقًا بما وعد".
(٤) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٦/ ٢١٦ - ٢١٧).
(٥) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٦/ ٢١٩).
(٦) وكذا ابن عامر الشامي.
(٧) انظر: "السبعة في القراءات" (ص: ٣٤٧)، و"التيسير" (ض: ١٢٨). وقرأ ابن عامر مثل ابن كثير ومن معه.