وقيل: {وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً}: هو فعلُ إخوةِ يوسفَ، وكانوا بالقرب منهم، جاؤوا وكتموا أنَّه أخوهم، وجعلوه عبدًا حملوه بضاعةً لأنفسِهم يبيعونه، ولم يُظهرْ يوسفُ؛ خوفًا على نفسِه من القتل الَّذي أَوعدوه به (١).
{وَاللَّهُ عَلِيمٌ} بما كانَ الإخوة يعملونَه، أو الملتقطون، مِن إسرارِه بضاعةً، ولو شاءَ اللَّهُ لغيرهم، ولعجَّل ليوسفَ عليه السلام خلاصَه، لكنَّه أمضى فيه سابقَ حكمِه على وَفق علمِه وإرادتِه، حيث جعل لكلِّ أجلٍ كتابًا، فأمهلَهم حتَّى يبلغَ الكتابُ أجلَه، فيخلِّصَه حينئذٍ.
قال كعبٌ: كان بينَ مَدينَ ومصرَ (٢)، فأخطأَتِ الرُّفقةُ الطَّريقَ، فعثروا على بئرٍ في وسط مَفازةٍ، ولم يكنِ البئرُ على الطَّريق، وإنَّما كانت بئرًا للرُّعاة يسقون أغنامَهم منها.
وقال الإمامُ القشيريُّ رحمه اللَّه: لمَّا أراد اللَّه جلَّ جلاله خلاصَ يوسفَ من الجبِّ أزعجَ خواطرَ السَّيَّارة في قصدِ السَّفر، وأعدمَهم الماءَ حتَّى احتاجوا إلى الاستقاءِ، ليصلَ يوسفُ إلى خلاصِه، وقد قيل: رُبَّ تشويشٍ يقعُ في العالَم والمقصودُ منه سكونُ واحدٍ، وقد قيل: ربَّ ساعٍ لقاعدٍ (٣).
وقال وهبٌ: كان يوسفُ صلوات اللَّه عليه في الجُبِّ ثلاثةَ أيَّامٍ، وإخوتُه بالقربِ منه يحرسونَه حتَّى جاءَتِ السَّيَّارةٌ؛ وهي رفقةٌ مِن أهل مدينَ، وهم ثلاثُ مئةٍ وثلاثة عشرَ نفسًا، فنزلوا قريبًا من الماء، فأرسلوا واردهم -وهو مجلث بن رَعْويل- فأدلى دلوَه.
(١) ذكره ابن كمال باشا في "تفسيره" عند هذه الآية عن ابن عباس، ثم تعقبه بقوله: ولا يخفى ما فيه من الاختلال لحُسن نظم المقال، والإشكالِ من جهة أن التعبير المذكورَ لا يناسب الحال.
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٥/ ٢٠٠).
(٣) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (٢/ ١٧٤).