قالت: يا يوسفُ، ليتني لم أعرفْكَ. قال: ذلك فعلُ إخوتي بي (١).
قالت: يا يوسفُ، ضعْ يدَكَ على صدري. قال: لا صبرَ لي على احتراق جسدي.
قالت: يا يوسفُ، الجنينة قد عطشَتْ، قمْ فاسقِها. قال: الَّذي بيدِه مفاتيحُها أحقُّ بسقيها منِّي.
قالت: يا يوسف، لأسلمنَّكَ على أيدي المعذِّبين، فيَسُلُّون جسمَكَ كما سللْتَ جسمي، قال: لا بأسَ إذا كان ربِّي راضيًا عنِّي.
قالت: يا يوسفُ، بأيِّ علَّةٍ امتنعْتَ عنِّي؟ قال: بحقِّ اثنين؛ بحقِّ إلهي الَّذي في السَّماءِ ملكُه، وبحقِّ سيِّدي الَّذي في الأرض سلطانُه عليَّ وعليك.
قالت: يا يوسف، أمَّا سيِّدكَ الَّذي في الأرض سلطانُه فإنِّي آخذُ كأسَ الزَّبرجد بيميني وإبريقَ الدُّرِّ بشمالي، فأسقيه الكأسَ الأوَّل فيسقطُ لحمُه بين يديه، فأجعلُه في قِبْطيَّة (٢) فأدفنُه تحتَ أساسِ بيتي، وأمَّا إلهكَ الَّذي في السَّماء ملكُه؛ فإنَّ لي من الجواهر ما لا تطيقُ حملَه دوابِّي، فأتصدَّقُ بها عنكَ، فيغفرُ لكَ إلهكَ الَّذي به تخوِّفني.
فغلبَتْهُ بالكلام فلم يردَّ جوابًا، فقال: معاذَ اللَّه، ولكن مَن ارتكبَ حرامًا سوَّدَ اللَّهُ في القيامة وجهَه، وهتكَ على رؤوس الأشهادِ سترَه، وأحرقَ بالنَّارِ جسمَه، فلا تظلميني، ولا تسوِّدي في القيامةِ وجهي، ولا تخجليني يومئذٍ عند أبي وأمِّي، ولا تُسخطي عليَّ ربِّي، ولا تسلِّطي نار جهنَّم على جسمي. فعند ذلك غلَّقَتِ الأبوابَ وأرخَتِ الحُجُبَ.
(١) "بي" ليس في (ف).
(٢) قبطية: ثوب أبيض، وجمعه قباطي. انظر: "غريب الحديث" لابن قتيبة (٢/ ٢١٨).