وقال القُشيريُّ رحمه اللَّه: لمَّا غلَّقت عليه أبوابَ الحجرةِ فتحَ اللَّهُ عليه أبوابَ العِصمةِ، فلم يضرَّهُ ما أغلقَتْ بعدما أكرمَه بما فتحَ.
وقيل: إنَّ يوسف قال: إنَّ العزيز رجا (١) منِّي أنْ أنفعَه حيثُ قال: {عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا}، فلا أخونُه (٢) في حرمِه بظهرِ الغيبِ منه.
وقيل: لمَّا حفظَ حرمةَ المخلوقِ بظهرِ الغيب منه أكرمَهُ اللَّهُ سبحانَه بإمدادِه بالعصمةِ في الحال، ومكَّنه مِن مواصلتها في المآل على وجهِ الحلال (٣).
* * *
(٢٤) - {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}.
وقوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}: قرأ عاصم وحمزة والكسائيُّ: {الْمُخْلَصِينَ} بفتح اللَّام، والباقون بكسرها (٤)؛ أي: ولقد عزمَتْ زليخا على ذلك وعقدَتْ قلبَها عليه، فأمَّا يوسف فلولا أن رأى برهان ربِّه لهمَّ بها.
فقوله: {وَهَمَّ بِهَا} معلَّقٌ بالشَّرط المذكور بعدَه، ولمَّا أراه البرهانَ لم يكن له منه همٌّ بها، وصرفَ اللَّهُ تعالى السُّوءَ والفحشاءَ عنه، كما ذكرَه في آخر الآية.
وقال الإمامُ أبو منصور رحمه اللَّه: أمَّا ما قالَه بعضُ أهل التَّفسير إنَّها استلقَتْ
(١) في (أ): "أمل".
(٢) في (ر) و (ف): "أخزيه".
(٣) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (٢/ ١٧٧).
(٤) انظر: "السبعة في القراءات" (ص: ٣٤٨)، و"التيسير" (ص: ١٢٨). وقرأ نافع أيضًا بفتح اللام.