له، وهمَّ بها، وحلَّ إزارَه، وأمثالَ هذا من الخرافات؛ فهذا كلُّه (١) ممَّا لا يحلُّ أنْ يُقال، والدلالةُ على فسادِ ذلك وجوهٌ:
أحدُها: قوله تعالى: {هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي}.
والثَّاني: قوله تعالى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ}.
والثَّالث: قوله تعالى: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ}.
والرَّابع: قولهنَّ: {مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ}.
والخامس: قولها: {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ}.
فهذا كلُّه دليل على أنَّه لم يكنْ منهُ شيءٌ من ذلك، وليس في ظاهرِ الآية ممَّا قالوا من قليلٍ ولا كثيرٍ؛ إذ ليس فيه شيءٌ سوى أن {هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا}.
ثمَّ تحتمِلُ الآيةُ وجوهًا عندنا:
أحدها: {هَمَّتْ بِهِ} همَّ عزمٍ، و {وَهَمَّ بِهَا} همَّ خَطْرةٍ، ولا منعَ فيما خطرَ في القلب؛ وهو قول الحسن (٢).
والثَّاني: {هَمَّتْ بِهِ}: همَّ الإرادةِ والتَّمكين، {وَهَمَّ بِهَا}: همَّ دفعٍ.
لكن يدخل عليه: {لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} فلو كان همُّه همَّ دفعٍ لم يكن لقوله: {لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} معنًى، لكن يُشْبه: همَّ بها قتلًا أو ضربًا يُتوهَّم أنَّه يفضي إلى القتل، فرأى برهان ربِّه، فتركَ ذلك لِمَا لا يحلُّ له قتلُها.
(١) في (ف): "وأمثال هذا فهذا كلُّه من الخرافات وهذا كله".
(٢) وذكره أيضًا الجصاص في "أحكام القرآن" (٣/ ٢٢٠)، والماوردي في "النكت والعيون" (٣/ ٢٤).