وقوله تعالى: {وَقَالَ الْآخَرُ}: أي: الطَّبَّاخ: {إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ}؛ أي: رأيْتُ كأنِّي أخرجُ من مطبخٍ وعلى رأسي ثلاث سلالٍ (١) من خبزٍ، وأرى سباع الطَّير تأكل مِن السَّلَّةِ العُليا.
وقوله تعالى: {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ}: أي: بما يَؤُولُ إليه عاقبة المراد بهذه الرُّؤيا.
وقوله تعالى: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}: أي: تُحسِنُ إلى أهلِ السِّجنِ؛ لقيامِك بأمورِهم، وعنايتِكَ بأسبابِهم، فأحسِنْ إلينا بعبارة الرُّؤيا، ليزول (٢) عنَّا شغلُ القلب بتأويلِها، وتُجزَى بذلك على إحسانِك إلى أهل السِّجن.
قيل: كان يداوي مريضَهم، ويعزِّي حزينَهم، ويجتهدُ في عبادةِ ربِّه. وهذا عن قتادة (٣).
وقيل: كان يعينُ المظلومَ، وينصرُ الضَّعيفَ، ويعودُ المريضَ. وهذا عن الزَّجَّاج (٤).
وقيل: أي: من المُعْتَنِين (٥) في عبارة الرُّؤيا. وهو قول الفرَّاء (٦).
وقال وهبُ بن منبِّه: كان سببُ وقوعِهما في السِّجن أنَّ جماعةً مِن أهل مصرَ خرجوا على الملك، وأرادوا المكرَ به واغتيالَه، فدسُّوا إلى هذَيْن، وضمنوا لهما مالًا لِيَسُمَّا طعامَ الملكِ وشرابَه، فأجاباهم إلى ذلك، ثمَّ إنَّ السَّاقي نكلَ عنه، وقبلَ الخبَّازُ الرَّشوةَ فسمَّ الطَّعامَ، فلمَّا حضرَ وقتُه وأُحضِرَ الطَّعام، قال السَّاقي:
(١) في (أ): "سلات". ولم يبين المؤلف كيف عرف أنها ثلاث وهي لم تذكر في الآية.
(٢) في (ر): "واصرف"، وهي ليست في (ف).
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" (١٣/ ١٥٧)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٧/ ٢١٤٣).
(٤) انظر: "معاني القرآن" للزجاج (٣/ ١١٠).
(٥) في (أ): "المحسنين".
(٦) انظر: "معاني القرآن" للفراء (٢/ ٤٥)، وفيه: "من العالمين قد أحسنت العلم".