أيُّها الملك، لا تأكلْ فإنَّ الطَّعامَ مسمومٌ، قال الخبَّاز: أيُّها الملك، لا تشربْ، فإنَّ الشَّرابَ مسمومٌ، فقال الملكُ للسَّاقي: اشربْ، فشربَه فلم يضرَّه، وقال للخبَّاز: كلْ مِن طعامِك، فأبى، فجُرِّب ذلك الطَّعام في (١) دابَّةٍ من الدَّواب، فأكلَتْه فهلَكَتْ، فأمرَ الملكُ بهما إلى السِّجنِ، فكانا في السِّجنِ سنةً، وألِفَا يوسفَ وألِفَهما، إلى أنْ رَأَيا رؤياهما، كما قصَّ اللَّه تعالى عنهما (٢).
وقيل: لمَّا عبرَ رؤيا الخبَّاز؛ قال: إنِّي لمْ أرَ شيئًا وكنْتُ ألعبُ، فقال يوسفُ: رأيتُما رؤياكما أو لم ترياها، فإنَّ ما قلْتُ نازلٌ بكما. فذلك قوله تعالى: {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ}.
وقال الشَّعبيُّ: إنَّهما تحالما ليجرِّبا يوسف (٣).
وقال محمَّد بن إسحاق: كان أحدُهما صادقًا والآخرُ كاذبًا (٤).
* * *
(٣٧) - {قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}.
وقوله تعالى: {قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا}: قيل: أراد أن يقرِّرَ عندهما علمَه بعبارة الرُّؤيا.
وقيل: أسَّس لدعوتِهما إلى التَّوحيد، وكذا ينبغي للعالم إذا سُئِلَ عن شيءٍ أن يؤسِّسِ (٥) لِمَا هو أهمُّ منه فيكشفه، ثمَّ يجيبهم عمَّا سُئِل عنه.
(١) في (ف) و (أ): "على".
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٥/ ٢٢١)، والبغوي في "تفسيره" (٤/ ٢٤٠) دون نسبة.
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" (١٣/ ١٥٣) عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه والسدي.
(٤) ذكره الماوردي في "تفسيره" (٣/ ٣٦) عن أبي مجلز.
(٥) في (ف): "أسس" بدل: "أن يؤسِّس".