قال الخبَّاز: ما أحسنَ ما عَبَرْتَ! فإنِّي رأيْتُ كأنَّ على رأسي ثلاثَ سِلالٍ مِن خبزٍ، في السَّلَّةِ العُليا مِن ألوانِ الأطعمةِ، وإذا سِباعُ الطَّير تأكلُ مِن السَّلَّة العُليا.
قال يوسفُ: أمَّا السِّلال؛ فالأيَّام الثَّلاثة الَّتي تكون في السِّجن، ثمَّ يدعوك الملكُ في اليوم الرَّابع فيصلبُك، فتأكل الطَّير من لحمِكَ.
قال الطَّبَّاخ: فإنِّي لم أرَ شيئًا، إنَّما كنْتُ ألعبُ.
قال يوسفُ: {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ}؛ أي: الَّذي سألتُماني (١) عنه؛ يعني: الأمرُ كما حدَّثْتُكُما، رأيتُما شيئًا أو لم تَرَياه.
* * *
(٤٢) - {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ}.
وقوله تعالى: {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا}: قولُهُ: {ظَنَّ} يجوزُ أنْ يكون فعلًا {لِلَّذِي} ويكونَ على حقيقةِ الظنِّ أنَّه رجا بهذا التَّأويل أن يكون كذلك، ويجوزُ أن يكونَ فعلًا ليوسفَ؛ أي: للَّذي ظنَّ يوسفُ أنَّه ناجٍ، ويكون في معنى العلم واليقين؛ كما في قوله تعالى: {يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ} البقرة: ٢٤٩؛ لأنَّه علم ذلك بتعليم اللَّهِ إيَّاه، فكانَ لا يشكُّ فيه.
وقوله تعالى: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ}: أي: مَلِكك.
وقوله تعالى: {فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ}: قيل: فأنسى الشَّيطانُ يوسفَ أنْ يذكرَ اللَّهَ ربَّه جلَّ جلالُه في سؤال هذا الخلاص، ورجاه مِن (٢) عند الملكِ. وهو بعيدٌ مِن حال الأنبياء.
(١) في (أ): "لا تسألاني" بدل: "الذي سألتماني".
(٢) "مِن" ليست في (ف).