الشيطان فخالَفوه فلم (١) يفتنهم بالوساوس، وعلى قُرَناء السُّوء فتحامَوْهم ولم يُبْتَلَوا باستِغْواء النَّسانِس (٢).
والثاني: النجاة، وبسطُه: أنهم نجَوا من الكفر والضلالة، والبِدعة والجهالة، وغرورِ النفوس، ووسوسة الشيطان، وزوال الإيمان، وفَقْدِ الأمان، ووحشةِ القبور، وأهوالِ النُّشور، وزلَّة الصراط، وتسلُّطِ الزبانيَة الشِّدَاد الغِلَاظ، وحِرمان الجِنان، ونداءِ القطيعة والهجْرَان.
والثالث: البقاء، وبسطُه: أنهم بَقُوا في الملكِ الأبديّ، والنعيمِ السَّرْمديّ، ووجدوا مُلكًا لا زوالَ له، ونعيمًا لا انتقالَ له، وسرورًا لا حُزنَ معه، وشبابًا لا هرَمَ معه، وراحةً لا شدَّةَ معها، وصحةً لا علَّةَ معها، ونالوا نعيمًا لا حسابَ له، ولقاءً لا حجابَ له.
فإن قالوا: لو قال: (أولئك على هدًى من ربِّهم وفلاحٍ) لاستقامَ وكان أوجَزَ في الكلام، فلِمَ لم يقُل كذلك؟
قلنا: لأنَّ الفواصِلَ: {يُنْفِقُونَ} و {يُوقِنُونَ}، فالذي يساويهما: {الْمُفْلِحُونَ}.
فإن قالوا: لمَ لمْ يقُل: (أولئك هم المهتدون المفلحون)؟
قلنا: لأنه يكون فيه بيانُ اهتدائهم دونَ بيانِ أنه مِن ربهم.
فإنْ قالوا: لمَ لمْ يقل: (وأولئك المفلحون) وهو أَوجزُ؟
(١) في (أ): "ولم".
(٢) في (ف): "النسائس". وفي هامش (ف): "النسائس: جنس من الخلق يثب أحدهم على رجل واحدة، ذكره في الصحاح". ومثله في هامش (أ) لكن فيه بدل (النسائس): "النسناس"، وهو الموافق لما في "الصحاح"، والنسائس ليست منه، فهي جمع النسيسة وهي السعاية، فالصواب المثبت، والنسانس -كما في "القاموس"-: الإناث من النسناس، أو هم جنس أرفعُ قَدْرًا من النَّسْناس.