وأظهرَها، فجعلَ اللَّهُ سببَ نجاتِه أيضًا مِن رؤيا راَها الملكُ فأظهرَها؛ ليعلمَ الجميعُ أنَّ اللَّهَ تعالى يفعلُ ما يريدُ (١).
رُوِي أنَّه لمَّا انتهَتْ مدَّة اللَّبْثِ في السِّجن ضاقَ عليه وقتُه ليلةً فبكى، ورفعَ رأسَه إلى السَّماء وقال: إلهي، أنتَ الرَّبُّ وأنا العبد، وأنتَ الخالقُ وأنا المخلوق، وأنتَ العزيزُ وأنا الذَّليل، أسألُكَ بحقِّ إبراهيمَ خليلِك، وبحقِّ إسحاقَ ذبيحِك، وبحقِّ يعقوب إسرائيلِك، أنْ تغيثَني وترحمَني يا أرحمَ الرَّاحمين. فإذا هو بشابٍّ جميلٍ نقيِّ الثِّياب بينَ يديه يقول له: السَّلام عليك يا يوسفُ، فقال: ومَن أنت؟ ومَن أدخلَك السِّجن؟! فواللَّه إنَّ جدارَه لحصين، وإنَّ بابَه لوثِيْق (٢)، وليس ينبغي لمثلِكَ أنْ يُحبَسَ.
قال: أنا الرُّوح الأمين، ورسولُ ربِّ العالمين.
قال: يا أطيبَ الطَّيبينَ، ورأسَ المقرَّبين، ورسولَ ربِّ العالمين، ما أدخلَكَ مدخَلَ المذنبين، ومنزلَ الخاطئين؟
قال: كيف يكونُ منزلَ الخاطئين، وأنت فيه يا أطهر الطَّاهرين، وقرَّة عينِ الصِّديقين؟
قال يوسف: كيف تشبِّهني بالصَّالحين، وتَعُدُّني مِن الصِّديقين، وقد أُدْخلْتُ مُدْخلَ المذنبين، وشبِّهت بالظَّالمين، وحُبِسْتُ في سجن المجرمين؟
قال جبريل: بحبِّكَ ربَّ العالمين، وصبرِكَ على كيد المفترين (٣)، سمَّاك اللَّهُ من الصِّدِّيقين، وألحقَكَ بآبائِكَ الصَّالحين، وأوجبَ لك ثوابَ الصَّابرين.
(١) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (٢/ ١٨٧).
(٢) في (ر): "لموثق".
(٣) في (أ): "المضرين".