مَن رحمَ ربي يَسلمُ عن طاعتِها {إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ}: ستَّارٌ للعيوب {رَحِيمٌ} بمواصلة البراهين والبيِّنات.
أو يكون لحقيقة الاستثناء (١)؛ أي: إلَّا مَن رحمَ ربِّي، فرحمَه وعصمَه مِن أنْ تأمرَه نفسُه بسوء، أو تكون أَمَرَتْه به في بعض الأحوال، لا أمَّارةً إذا راضَها الإنسان رياضةً بليغةً، فتبقى الخَطْرةُ دون العَزْمة.
وفي بعض الرِّوايات: أنَّه لمَّا قال: {لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} قال له جبريل: ولا حين همَمْتَ؟ قال: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي} (٢).
وفي "كتاب عصمة الأنبياء" في قولِه: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ}: أنَّ يوسفَ عليه السلام أظهرَ السَّكينةَ والوَقار في الخروج من السِّجن، لا كالضَّجِر القَلِق إذا وجدَ الخلاصَ بادرَ إلى الخروجِ:
ليتميَّزَ الرَّاضي بالقضاء، والمسلِّمُ للحكم، والمفوِّض للقدر، مِن السَّاخط بالمقسوم في المكاره.
والثَّاني: جريٌ على انتظار الوحي؛ لئلَّا يكون مستبدًّا برأيه.
والثَّالث: أنَّه علم استخلاصَ الملكِ إيَّاه، فأحبَّ ألَّا يبقى أثر تهمةٍ من تلك الحادثة الَّتي كانَتْ جرَتْ، حتَّى يَنظُرَ إليه بعين الأمانة، ويَعدَّهُ مِن أهل الصِّيانة، فيصفو له استخلاصه.
(١) أي: استثناء متصلًا، والوجه الأول على اعتبار كونه منفصلًا.
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (١٣/ ٢١٤) عن ابن عباس وسعيد بن جبير. ولم يرتضه الزمخشري فقال: ولقد لفقت المبطلة روايات مصنوعة، فزعموا أن يوسف حين قال: {أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} قال له جبريل: ولا حين هممت. . . وذلك لتهالكهم على بهت اللَّه ورسله. انظر: "الكشاف" (٢/ ٤٨١).