فقال الملكُ: ما أدري ما تقول.
قال: أمَّا التَّقلُّد بسيفٍ لا يَقطع، فهو الاعتماد في الأعمال على عُمَّالٍ لم تجرِّبْهم، وأمَّا إمساكُ العمي والبُكم والصُّمِّ على الباب فهو استعمالُ قومٍ لا يروْنَ عيوبَكَ ولا يذكرونَها لكَ، وأمَّا الزَّرْعُ في السَّبخَةِ، فالبَذْرُ: العمر، والسَّبخَةِ: الدُّنيا، والثَّوران: اللَّيلُ والنَّهارُ. فأعجبَهُ كلامُهُ، وقال: {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} (١).
وقال وهب: ولمَّا وُلِّي يوسفُ مصرَ ماتَ العزيزُ، فزوَّجَهُ الملكُ امرأةَ العزيز، فلمَّا دخلَ عليها (٢) وجدَها عذراء، فقال: أليس هذا خيرًا ممَّا كنْتِ تريدين؟ فقالَتْ له: لا تلُمْنِي يا نبيَّ اللَّه، فإنَّ اللَّهَ كساكَ مِن الحُسْنِ والجَمالِ ما لا يصبرُ عليه أحدٌ، وكان صاحبي لا يمسُّ النِّساء، وكنْتُ ناعمةً في ملكِ الدُّنيا، وغلبتني شهوتي، يا يوسفُ، إنَّ الحرصَ والشَّهوة صيَّرا الملوكَ عبيدًا، وإنَّ الصَّبرَ والتَّقوى صيَّرا العبيدَ ملوكًا.
وتزوَّجها وهو ابنُ ثلاثينَ سنةً، فولدَتْ له أفراييم وميشا ابني يوسف في أربع سنين من سِني الخصب. هذا القَدْرُ مذكور من حديث تزوُّجِها في "كتاب وهب".
ويُذكَرُ في القصص زوائدُ: أنَّها افتقرَتْ وضعفَتْ وعميَتْ، وأتتْهُ وهي بتلك الحالة، فرحمَها وقال: ما تشتهين؟ قالَتْ: أن أفتح عيني مرَّةً فأراك. وبكَتْ فبكى يوسف، وأتاه جبريلُ فقال: إنَّ اللَّهَ تعالى يردُّ إليها بصرَها وشبابَها فتزوَّجْها. ففعلَ، فأعادَ اللَّهُ تعالى إليها جمالَها وشبابَها.
ويذكر هنا أشياء، ولا ضرورة إلى ذكرها.
ولمَّا مضى تمام سِني الخصب أمرَ اللَّهُ جلَّ جلالُه جبريلَ عليه السلام سَحَرًا
(١) "وقال إنك اليوم لدينا مكين أمين" من (ف).
(٢) في (أ): "دخلت" وفي (ف): "دخلت عليه" بدل: "دخل عليها".