فرقَّ حين ذكروا أباه، وأدركَتْه الرَّحمةُ لهم فقال: أَمَا واللَّهِ لولا حرمةُ يعقوبَ وحقُّه ووصيَّتُه ورسالَتُه لنكَّلْتُ بكم مِن خلفِكُم، ولشركْتُ (١) بكم السُّرَّاق واللُّصوص، فانطلِقوا فقد عفوْتُ عنكم، فاغربوا (٢) فلا حاجةَ لي فيكم، وعجِّلوا بميرَتِكم إلى أبيكم، فإنَّه قد أوعز إليَّ أن أعجِّلَكم.
قالوا: فارحمْ كبرَه بابنِه هذا الَّذي تريدُ أنْ تحبسَه، فإنَّك لن تصلَهُ بصلةٍ أبلغَ منها، وإنَّك إنْ حبسْتَه ضاعفْتَ عليه البلاء.
وقوله تعالى: {قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ}: أي: قال طالبو الصُّواع: فما مكافأة السَّارق؟
وقيل: فما عوضُ الصُّواع إنْ ظهرَ كذبُكُم بوجودِ الصُّواع معَكم؟
وقوله تعالى: {قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ}: أي: قال إخوةُ يوسف: {جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ. . .}.
قيل: {جَزَاؤُهُ} مبتدأٌ، وقوله: {مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ} خبرُه، ومعناه: عوضُ المسروقِ سارقُه؛ أي: فيُؤخَذ فيُملَكُ ويُستَعْبَدُ، وقوله: {فَهُوَ جَزَاؤُهُ} تأكيدٌ للتَّكرير، ومعناه: إنَّه الجزاءُ لا غير.
وقيل: {مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ} شرطٌ، وقوله: {فَهُوَ جَزَاؤُهُ} خبرُه، وهذه الجملة خبرُ قوله: {جَزَاؤُهُ} في الابتداء.
وقيل: كان هذا حكمَ يعقوبَ في السُّرَّاق، فأَخبَروا بما هو حكم بلادِهم، ولذلك قال:
{كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}: أي: السُّرَّاقَ؛ أي: هو حكمُ شريعتِنا.
(١) في (أ): "ولشددت"، وفي (ر): "ولشردت".
(٢) في (ف): "فاعزموا".