والكيدُ: التَّعريضُ للضَّرر في خفاء؛ أي: أوقعنا هذا النَّوع من الحال على إخوة يوسف لأَجْل يوسف (١)؛ ليتهيَّا له حبسُ أخيه بهذا النَّوع من السَّبب.
وقوله تعالى: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}: أي: لم يكن يوسف ليأخُذَ أخاه في حكم ملكِ مصر، وعادةِ ملك مصر -فالدِّين اسمٌ لهما- بتهمةِ السَّرقة، وبحبسِه، إلَّا أن يسبِّب (٢) اللَّهُ له التزامَ الإخوة في ذلك حكمَ شريعة أبيهم، وهذا على قول مَن جعل استرقاقَ السَّارق (٣) حكمَ يعقوبَ دونَ أهل مصر.
وأمَّا على قولِ مَن عكسَ هذا القولَ فتأويلُه: كذلك كِدْنا ليوسف في إظهار السَّرقة على أخيه، وما كان له أخذُه في حكم مَلِك مصرَ إلَّا بالسَّرقة.
فالمشيئة على هذا واقعةٌ على وقوع السَّرقة منه.
ودلَّت الآية على أنَّ أفعالَ العباد حسَنَها وقبيحَها بمشيئة اللَّه تعالى.
وقال ابن عبَّاسٍ رضي اللَّه عنهما: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ}؛ أي: صنعْنَا (٤).
وقال الرَّبيع بن أنس: أي: ألهمنا (٥).
وقيل: قوله: {كِدْنَا}؛ أي: كما فعلوا في الابتداءِ بيوسفَ فعلْنَا بهم، قال تعالى خبرًا عن يعقوب عليه السلام أنَّه قال: {فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا}، وكان هذا جزاءَ كيدِهم ذلك.
وقوله: {فِي دِينِ الْمَلِكِ} قال ابن عبَّاسٍ رضي اللَّه عنهما: أي: في سلطان الملك (٦).
(١) في (ر): "ليوسف؛ لأجل يوسف"، وكلها ليست في (أ).
(٢) في (أ): "يشاء".
(٣) في (ر) و (ف): "جعل الاسترقاق".
(٤) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٥/ ٢٤٢).
(٥) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٥/ ٢٤٢)، والواحدي في "البسيط" (١٢/ ١٨٨).
(٦) رواه الطبري في "تفسيره" (١٣/ ٢٦٤)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٧/ ٢١٧٦).