وقوله تعالى: {وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ}: {وَمِنْ قَبْلُ} رفعٌ على الغاية.
و {مَا فَرَّطْتُمْ} له ثلاثة أوجهٍ:
أحدها: {مَا} مع الفعل مصدرٌ، وإعرابُه الرَّفع، وهو خبر {وَمِنْ قَبْلُ}؛ أي: ومِن قبلِ هذا تفريطُكُم.
وقيل: نصبٌ بوقوع {أَلَمْ تَعْلَمُوا} عليه؛ أي: ألم تعلموا تفريطَكُم في أمر يوسف.
وقيل: {مَا} صلةٌ زائدة، وتقديرُه: ومِن قَبْلِ هذا فرَّطْتُم (١) في يوسفَ؛ أي: قصَّرتم في أمره وضيَّعتموه.
وقوله: {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ}: وقوله: {لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ} الكهف: ٦٠ هما متقابلان في التَّفسير؛ فلن أبرحَ الإقامةَ مِن غير ذهابٍ، ولا أبرحُ للمسير بدون المقام، وإنَّما صحَّ ذلك مع أنَّهما متضادَّان؛ لأنَّ المعنى فيها: لا أزول، فمعنى {فَلَنْ أَبْرَحَ}: فلن أزايلَ المقامَ، ومعنى (لا أبرحُ): لا أزايل (٢) المسير.
وقوله تعالى: {حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي}: أي: في الرُّجوع إليه، وقيل: في القتال.
{أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي}: بالرُّجوعِ بأنْ يَظهرَ عذري عند أبي، فحينئذ أرجع، أو يصلَ إلينا أخونا، أو يحكمَ اللَّه لي بالسَّيف أن أحاربَهم وآخذَ الأخ منهم.
{وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}: لا خطأَ في حكمِه، ولا زللَ، ولا رشوة (٣).
(١) في النسخ: "ومن قبل ما فرطتم"، والصواب المثبت. انظر: "البحر المحيط" (١٢/ ٥٣٦).
(٢) في (أ): "أزيل" في الموضعين.
(٣) بعدها في (أ) و (ر): "ولا حشمة"، ولعل المراد بها هنا: الانقباض. انظر: "مقاييس اللغة" (٢/ ٦٣). وفي "العين" (٣/ ٩٩): الحِشمةُ: الانقباض عن أخيك في المَطْعَم وطَلَب الحاجة.