وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: كان ذهابُ بصر يعقوب في غيبة يوسف لطفًا من اللَّه تعالى بيعقوب، حتَّى لا يحتاجَ إلى رؤية غيره؛ إذ لا شيءَ على الأحباب أشدُّ من رؤية الأغيار، قال قائلُهم:
لَمَّا تيقَّنْتُ أنِّي لسْتُ مُبصِرَكُمْ... غمضْتُ عيني فلم أنظرْ إلى أحدٍ (١)
وقوله تعالى: {مِنَ الْحُزْنِ}: أي: الهمّ الغليظ على النَّفس، من الأرض الحَزْن - بفتح الحاء: الغليظة.
{فَهُوَ كَظِيمٌ}: أي: مملوءٌ كربًا، كقوله تعالى: {وَهُوَ مَكْظُومٌ} القلم: ٤٨ الكِظامُ: القناةُ والسِّقايةُ المملوءةُ ماءً.
وقيل: {كَظِيمٌ}؛ أي: ممسكٌ على غيظٍ على أولاده بما فعلوا به، أو على نفسِه بما فعلَ مِن إرسال بنيامين معهم، هذا فعيل بمعنى فاعل؛ كقوله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} آل عمران: ١٣٤، والأوَّل فعيل بمعنى مفعول.
قال ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما: {كَظِيمٌ}: مهموم (٢).
وقال مقاتل: مكروب يتردَّد الحزن في جوفِه (٣).
وقال مجاهد: ساكت (٤).
وقال قتادة: كظيم على الحزن؛ أي: لم يتكلَّم بسوء (٥).
(١) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (٢/ ٢٠٠)، والبيت ينسب لأبي بكر الشبلي. انظر: "الأمالي" للجرجاني (٢/ ٩٣)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (٣٢/ ٣٩٢).
(٢) روى نحوه الطبري في "تفسيره" (١٤/ ٢٥٦).
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" (٢/ ٣٤٨).
(٤) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" (١٣٣٤)، والطبري في "تفسيره" (١٣/ ٢٩٦).
(٥) رواه الطبري في "تفسيره" (١٣/ ٢٩٧)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (/ ٢١٨٧).