وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ}: ولم يقولوا: إن اللَّهَ يجزيْكَ؛ لأنَّهم لم يعلموا بحال الملك ودينه، فتجرَّدوا وأطلقوا فقالوا: {إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ}، وهم المؤمنون (١).
وقال وهب رحمه اللَّه: وخافوا أن يذكروا في أوَّل ما لقُوه حديثَ أخيهم؛ مخافةَ أن يعيدَ لهم التَّوبيخ والتَّقريع، وقالوا: إنْ كانَ في نفسِه لأبينا رِقَّةٌ فقد أخبرْنَاه أنَّا مضرورون محزونون مجهودون، وعَرَّضْنا له إنْ كان يريدُ أنْ يخليَ سبيلَ الغلام.
وكان يوسفُ عليه السَّلام سألَ أخاه بنيامين عن عددِ ولدِه، فقال: هم ثلاثة، اسم الأكبر يوسف، فقال: ولِمَ سمَّيته يوسف؟ قال: أردْتُ أن لا يذهب ذِكْرُكَ مِن قلبي كلَّما دُعِيَ تحرَّكَ لذلك قلبي.
قال: وسمَّيْتُ الآخرَ ذئبًا، قال: ولِمَ سمَّيته ذئبًا؟ قال: أردْتُ أنْ لا يذهبَ ذِكْرُكَ مِن قلبي، فقد زعمَ إخوتي أنَّ الذِّئب أكلَك.
قال (٢): وسمَّيْتُ الآخر دمًا، قال: ولِمَ سمَّيته دمًا؟ فقال: أردْتُ أن لا يذهبَ ذِكْرُكَ مِن قلبي لَمَّا جاؤوا بالدَّم في قميصِك (٣)، فكلَّما دُعِيَ ذكرْتُكَ.
فبكى يوسفُ عند ذلك حتَّى كادَ يتصدَّعُ قلبُه مِن البكاء، ثم رفعَ يديه ودعا ربَّه أن يجمعَ إليه أباه وخالته وإخوته، فاستجابَ اللَّه له.
وقال لإخوته -بعدَ ما قالوا: {يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ} إلى آخره-: كيف تركْتُم يعقوب؟
قالوا: تركناه باكيًا محزونًا كظيمًا.
(١) "وهم المؤمنون" ليس في (ف).
(٢) في (ف): "وقد".
(٣) "لما جاؤوا بالدم في قميصك" من (ف).