فقال لهم يوسف: كنتم تقولون: إنَّ يوسفَ أخونا وقد أكلَه الذِّئبُ، وقد كتبتم في هذا: إنَّه غلامُنا وقد بعناه، فقد ظهر لي أنَّكم استرقَقْتُم أخاكم، وعقَقْتُم أباكم، واستوجَبْتُم عقوبةً شديدةً، وأنا معاقبُكم على ذلك، ومنتقمٌ منكم لأبيكم.
ودعا بالسَّيَّافِ، فصاحوا بأجمعهم يتضرَّعون ويبكون، ويقولون له: إنْ كنْتَ قاتِلَنا لا محالةَ فلطِّخْ ثيابَنا بدمائِنا، وابعَثْها إلى أبينا، فلا حظَّ له من الأولادِ إلَّا الثَّوبُ الملطَّخُ بالدَّم.
ورقَّ لذلك يوسفُ، واضطربَ النَّاسُ، وجاء جبريلُ وقال: يا يوسفُ، قد بلغ التَّخويفُ النِّهايةَ في حقِّ هؤلاء، فحسبُكَ، فقد انقضَتْ مدَّةُ المحنةِ، فأظهِرْ لهم نفسَكَ، فقال: {قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ}، فنظروا فيه لِمَا كان قال لهم أبوهم: {فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ} فعرفوه.
* * *
(٩٠) - {قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}.
{قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي} بنيامين، لا عبدي، تظنُّونني قد (١) اتخذْتُه عبدًا، وليس كذلك، بل هو أخي وعزيزي.
{قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْ}: قيل: أي: جمعَ ما فرَّقْتُم، ووصلَ (٢) ما قطعْتُم.
وقيل: أي: مَنَّ اللَّهُ عليَّ بإنجائي من البئرِ، والعصمةِ مِن الهمِّ، والتَّخليصِ مِن السِّجن، وتمليكِ مصرَ، ذلك فضل اللَّه (٣).
(١) في (أ): "أني".
(٢) في (ف): "بجمع ما فرقتم وصلة".
(٣) "ذلك فضل اللَّه" من (ف).