فبنيتم المعاملةَ على ظاهر (١) ما بدا لكم من حالِه.
قال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: {إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ} قالَ بعضُ أهل التَّأويل: مذنبون، ويجوز: أي: أنتم جاهلون قَدْرَ يوسفَ ومنزلته؛ إذ لو علموا ذلك لما قالوا: {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا} (٢).
وقيل: هو تلقينُ العُذْرِ، وهو غايةُ الكرمِ والفَضْلِ، وعلى هذا قولُ اللَّه تعالى: {لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ} النساء: ١٧.
وقالوا: الكريمُ لا يعاتِبُ، ولو عاتبَ لا يستقصي (٣)، وكذلك فعلَ يوسفُ، لم يعاتِبْهم في المرَّة الأولى والثَّانية، وعاتبَهم في الثَّالثة على خفاءٍ ولم يستقصِ.
وقيل: الكرمُ تركُ العتاب، وتركُ الاستقصاء في العتاب، وتلقين العُذْرِ في العتاب، والعفوُ بعد العتابِ، وقد فعل ذلك كلَّه يوسفُ في هذه المرَّة.
وبيانه في الآية وفي بعضِ القصص: أنَّ يوسف صلوات اللَّه عليه أخرجَ لهم كتابًا، وقال: هذا كتابٌ بالعبرانيَّة، فهل أحدٌ منكم يحسن قراءتها؟ قالوا: نعم.
فأخرج كتابَ بيعِه مِن مالك بن دُعْر، فنظروا فيه فبُهتوا، فقالوا في أنفسِهم: كنَّا بذلناه عند بيعِه لمشتريه، وهو مِن أهل مصر، فلعلَّه وقعَ عندَ الملك، فقالوا: هذا كتابٌ كتبناه في بيعِ عبدٍ لنا بعناه، فقال: اقرؤوا.
فقرؤوا: بسمِ إلهِ إبراهيم، هذا ما اشترى مالك بن دُعر الخزاعيُّ من آل يعقوب غلامًا، يُقالُ له: يوسف، بعشرين درهمًا، ونقدَ لهم الثَّمنَ، وضمنوا الدَّرك، وأشهدوا اللَّه تعالى بذلك على أنفسِهم، وكفى باللَّه شهيدًا.
(١) في (ر) و (ف): "ظاهرها".
(٢) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٦/ ٢٨٢).
(٣) في (ر) و (ف): "لا يعاتِبُ ولا يستقصي، ولو عاتبَ لاستقصَى"، ولا يستقيم هذا مع ما سيأتي بعده.