وقال الضَّحاك: تكذِّبون (١).
وقيل: تنسبوني إلى الخرف، وقد أفندَه الشَّيبُ؛ أي: جعلَه كثيرَ الكلام من الخرَفِ.
قال يعقوبُ عليه السلام هذا الكلامَ لمن حضرَه مِن أهلِه وقرابتِه دونَ ولدِه؛ لأنَّهم كانوا غُيَّبًا عنه بمصر، تفرَّس فيهم أنَّهم يلومونَه فقال ذلك، وهو مختصر، وتقديرُه: إني لأجد ريحًا يشبهُ ريحَ يوسف، وأريدُ أنْ أقولَ: هي ريحُ يوسف، لولا كراهيَةُ أنْ تفنِّدون.
وهو كمَن وجدَ شيئًا يَبعُدُ في العرفِ وجودُه، فيقولُ: إنِّي وجدْتُ شيئًا أريدُ أنْ أخبرَكُم به لولا أنَّكم تكذِّبوني.
قال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: العجبُ أنَّه كان عندَ إقبالِ المحنةِ ويوسفُ منه على أقلَّ مِن مرحلةٍ حيثُ ألقَوه في الجبِّ لا يجدُ ريحَهُ، واستتر عليه حالُه وخبرُه، ولَمَّا أدبرَتْ أيَّامُ المحنة وجدَ ريحَه وبينهما مسيرةُ شهرٍ، أو مسيرةُ ثمانين فرسخًا.
وقيل: انفردَ يعقوبُ بريح يوسف ووجدانها؛ لانفرادِه بمقاساةِ الِمحَنِ على فقدِ يوسف، إنَّما يجدُ ريحَ يوسف مَن وَجَدَ على فراقَ (٢) يوسف، ويُقال: لا يعرفُ ريحَ الأحبابِ إلَّا الأحباب (٣).
* * *
(٩٥) - {قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ}.
(١) روى هذه الأقوال الطبري في "تفسيره" (١٣/ ٣٣٩ - ٣٤١).
(٢) في (ف): "فوات".
(٣) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (٢/ ٢٠٦).