ثم نظرَ يعقوبُ إلى الفرسان فقال: أيُّهم ولدي يوسف؟ فقال له جبريل: هو ذلكَ الَّذي فوقَ رأسِه ظُلَّةٌ. فلم يتمالَكْ أنْ أوقعَ نفسَه من البعير.
فقال جبريلُ: يا يوسفُ، إنَّ أباك يعقوب قد نزل إليك (١) فانزلْ له، فنزلَ عن فرسِه، وجعلَ كلُّ واحدٍ منهما يعدو إلى الآخر حتَّى التَقَيَا، فاعتَنَقَا، وبَكَيَا سرورًا، وماج الفرسانُ بعضُهم في بعضٍ، وصهلَتِ الخيولُ، وسبَّحَتِ الملائكةُ، وضُرِبَ بالطُّبول والبوقات، فصارَ كأنَّه يوم القيامة.
وفي "كتاب عصمة الأنبياء": وما رُوي أنَّه لم ينزل من السَّرير لأبويه أو عن الدَّابة كلامٌ لا معنى له؛ لأنَّه قد تلقَّاهم، بدليل قوله تعالى: {وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ}، ولذلك نزل عن الدَّابة على ما حكينا (٢).
وما رُوي أنَّ جبريل قال ليوسف: إنَّك لم تنزلْ (٣) لأبيك، فقُطِعَ نسلُ النُّبوَّة منك = فإنَّه كلامٌ باطلٌ لا يجوز أنْ يُذكَرَ ويُعْتقَدَ؛ فإنَّ الأنبياءَ لم يكن مِن صفتِهم التَّعظُّم على أحدٍ، فضلًا على الأبِ.
وعلى أنَّ الأنبياءَ مِن بعدِه كانوا مِن نسلِه، كموسى وداود وسليمان.
ثمَّ لَمَّا انتهوا إلى السَّرير رفعَ أبوَيْهِ مُكرمًا لهما، آخذًا بأيديهما، مُعليًا لهما على السَّرير، ثمَّ إنه جلسَ هو معهما، وهو على الجلوس كما يجلسُ (٤) الولد بينَ يدَي والدِه، ولا يُعدُّ ذلك تركًا للحُرْمةِ، خصوصًا إذا كان ولدُه نبيًّا مرسلًا.
(١) في (ف): "لك".
(٢) في (أ): "بينا".
(٣) في (ف) و (أ): "تحترم".
(٤) في (أ): "ثمَّ إن جلسَ هو معهما فهو على الجلوس كما يجلسُ"، وفي (ف): "ثم إنه جلس هو معهما وهو كما يجلس".