فإنْ قالوا: هلَّا سارَ (١) إلى أبوَيْه لقضاءِ حقوقِهما، وما يحملُ أبوه مِن الهمِّ والحزنِ في أمرِه، حتَّى استدعاهم إلى حضرتِه.
قلنا: إنَّه لم يفعلْ ذلك مِن غيرِ وحيٍ.
والثَّاني: إنَّه أرادَ أنْ يأتوه جميعًا، فيعرفَ أهلُ مصرَ وجاهَتَه وأبوَيْه ومنزلَتَه، ويعلموا أنَّه لم يصرْ ملكًا مِن غير أصلٍ، بل له أصل صميمٌ (٢)، وليُعَايِنَ أهلُه نعمةَ اللَّهِ تعالى عليه بعدَ انقضاءِ المحنةِ مِن إعطاءِ المُلْكِ، ولو كانَ تركَ المُلْكَ وسارَ (٣) إليهم لم يقعْ موقعَ الإعظامِ في الإخبار؛ إذْ ليسَ الخبرُ كالمعاينةِ.
* * *
(٩٩) - {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}.
وقوله تعالى: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ}: أي: يومَ عاشوراء {آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ}؛ أي: ضمَّ إلى نفسِه أباه وخالتَه راحيلَ (٤)؛ لأنَّ أمَّه كانَتْ ماتَتْ، وتزوَّجَها يعقوب، والخالةُ أمٌّ.
والأبوان: اسمٌ للأبِ والأمِّ، تغليبًا للذَّكر على الأنثى، قاله السُّديُّ (٥).
وقال الحسنُ ومحمَّدُ بنُ إسحاقَ: كانَتْ أمُّه في الأحياء (٦).
(١) في (ف): "صار".
(٢) في (ر): "بل له منهم"، وهي ليست في (ف).
(٣) في (ف) و (أ): "وصار".
(٤) ذكر المصنف أول السورة أنَّ اسم أم يوسف: راحيل، وأن أسم خالته: لايا.
(٥) رواه الطبري في "تفسيره" (١٣/ ٣٥٢)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٧/ ٢٢٠١).
(٦) رواه الطبري في "تفسيره" (١٣/ ٣٥٢) عن ابن إسحاق، وذكره الماوردي في "تفسيره" (٣/ ٨٢) =