وقد آواهما جميعًا؛ أي: ضمَّهما إلى نفسِه وأنزلَهما عندَه ومعه في موضعٍ أعدَّه لنزولِ ساعة خارجَ المصر.
{وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}: والاستثناءُ داخلٌ في الأمن لا في الدُّخول؛ لأنَّه أَمرَ بالدُّخول، ووَعدَ بالأمنِ، والاستثناءُ يدخلُ في الوعدِ لا في الأمرِ.
وكذا كانت مواعيدُ الأنبياءِ عليهم السلام، قال اللَّه تعالى لنبيِّنا عليه الصلاة والسلام: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} الكهف: ٢٣ - ٢٤.
وإنَّما وعدَ الأمنَ لأنَّه كان بلدًا فيه كفَّار، وملكُهم الَّذي أقامَ يوسفَ مقامَ نفسِه كان كافرًا أيضًا، فوعدَ لهم الأمنَ معلَّقًا بالمشيئة رجاءً لذلك مِن فضلِ اللَّهِ.
وقوله تعالى: {فَلَمَّا دَخَلُوا}: كان دخولُهم عليه مصرَ أربعَ مرَّات:
الأوَّل: {فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ} يوسف: ٥٨.
والثَّاني: {وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ} يوسف: ٦٩.
والثَّالث: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ} يوسف: ٨٨.
والرَّابع: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ}.
{وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ}؛ أي: قالَ لأبوَيه ولمن معهما.
قال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: اشتركَ القومُ في الدُّخول، ولكن تباينوا في الإيواء، فانفرد الأبوان به لبُعدِهما عن الجفاء، كذا غدًا إذا وصلوا إلى الغفران يشتركون فيه وفي دخول الجنَّة، ولكنَّهم يتباينون في بساط القُربة، فيختصُّ به أهل الصَّفاءِ دونَ مَن اتَّصفَ اليومَ بالجفاء (١).
= عن الحسن وابن إسحاق.
(١) في (ف) و (أ): "بالالتواء". انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (٢/ ٢٠٨).