وقولُه تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}: هذا تعديدٌ لقبائح أولئك المشركين، وتبعيدُ إيمانهم بالقرآن.
قال ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما: أراد أنَّهم حين سُئِلُوا: مَنْ خلقَكُم؟ ومَن يُنزِّل من السَّماء ماء؟ ليقولنَّ اللَّه، فهذا إيمانُهم، ثمَّ هم يعبدون الأوثان، ويقولون: {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} يونس: ١٨، و: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} الزمر: ٣، فهذا شركُهم (١).
وقال مجاهدٌ: في التَّلبيةِ: يقولون: لبيكَ لا شريكَ لك، إلَّا شريكٌ هو لك، تملكُه وما ملكَ (٢).
وقال عطاءٌ: هذا في الدُّعاء، وذلك أن الكفَّار نسُوا ربَّهم في الرَّخاء، فإذا أصابَهم البلاء أخلصوا في الدُّعاء؛ قال تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} لقمان: ٣٢، وقال: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ} الآية يونس: ١٢ (٣).
وقال الحسنُ: هم أهل الكتاب، معهم شركٌ وإيمانٌ (٤).
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: ويحتمل: وما يؤمن أكثرهم باللَّه بألسنتهم إلَّا وهم مشركون بقلوبهم.
(١) روى نحوه الطبري في "تفسيره" (١٣/ ٣٧٥)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٧/ ٢٢٠٧).
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (١٣/ ٣٧٦) عن الضحاك، وروى مسلم (١١٨٥) تلبيتهم هذه عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما.
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٥/ ٢٦٣).
(٤) ذكره الجصاص في "أحكام القرآن" (٣/ ٢٣١)، وروى ابن أبي حاتم في "تفسيره" (٧/ ٢٢٠٧) عن الحسن أنه قال في هذه الآية: "ذاك المنافق يعمل إذا عمل رياء للناس، وهو مشرك بعمله ذاك".