وقال الإمامُ أبو منصورٍ رحمَه اللَّه: الخلقُ اليومَ كلُّهم بارزون للَّه تعالى، وإنَّما ذَكَرَ ذلك يومَ القيامةِ لأنَّ الكفَّارَ لا يعتقدون ذلك، ولا يُقرُّون به (١)، ويومَ القيامةِ يقرُّون بذلك ويعلمونه (٢)، وهو كقوله: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} غافر: ١٦، وقوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (٣).
وقوله تعالى: {فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ}: أي: فيقولُ الأتباعُ للرُّؤساءِ -وهم كلّ جبَّارٍ عنيدٍ-: {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا}؛ أي: أتباعًا، والتبعُ: جمعُ تابعٍ، كالغَيَبِ جمعُ غائِبٍ، والخَدَمُ جمعُ خادمٍ، والسَّلَفِ جمعُ سالفٍ، والخَلَف جمعُ خالِفٍ.
وقال الزَّجَّاجُ: ويجوز أن يكون مصدرًا وُصِفَ به، فيستوي الواحدُ والجمعُ فيه (٤).
وقوله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ}: قال الإمامُ أبو منصورٍ رحمَه اللَّه: قال قائلون: أي: دافعون عنَّا عذابَ اللَّهِ، نافعون لنا.
ولكن هذا بعيدٌ أنْ يطلبوا منهم دفعَ العذابِ عنهم، فقدْ رأَوْهم في العذابِ، ولو قدروا على دفعِ العذابِ عنهم لدفعوا أوَّلًا عن أنفسِهم، إلَّا أن يكون فيهم حيرةٌ وعمًى كما كان في الدُّنيا، قال تعالى: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى}.
والأشبهُ أنَّهم يطلبون رفعَ بعضِ العذابِ عنهم، وتحمُّلَه منهم، وكان ذلك
(١) في (ف) و (أ): "بذلك".
(٢) في (ف) و (أ): "ويعلمون ذلك".
(٣) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٦/ ٣٨٢).
(٤) انظر: "معاني القرآن" للزجاج (٣/ ١٥٨).