وقوله تعالى: {وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ}: عطفٌ على {مَعَايِشَ}؛ أي: وجعلْنا لكم عبيدًا وإماءً (١) ودوابَّ، لكم رِفْقُها، ومنَّا رِزْقُها.
و (مَنْ) تُستَعْمَل في العقلاء، وهنا لبني آدم وهم عقلاء، وللدَّوابِّ على التَّبعيَّةِ عند الاجتماع، كما في قوله: {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} النور: ٤٥ الآية، لَمَّا بدأَ الآيةَ بقولِهِ (٢): {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ} النور: ٤٥، وهو يتناولُ كلَّ حيوانٍ -ومنهم البشرُ وغيرُهم- أطلق لفظة (٣) (مَن) للمشاركةِ.
وقيل: فيه دليلٌ على أنَّ الإنسانَ يُزادُ في رزقِهِ بالخَدَم والنَّعَم.
وقيل: {وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} عطفٌ على قوله: {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا}؛ أي: جعلْنا للخدمِ والدَّوابِّ أيضًا معايش، فإنَّ للدَّواب والأنعام والوحوش والطيور نصيبًا فيما يرتفعُ مِن الأرضِ مِن الزُّروع والأشجار وغير ذلك، فهو من المعايش لها أيضًا.
وقال القشيريُّ: ومِن الرَّواسي الَّتي تثبتُ بها الأرضُ الأولياءُ الذينَ هم أوتادُ الأرضِ، بهم المدفَع وإليهم المفزَع.
ومنَ الرَّواسي العلماء، فبعلماء الأصولِ قِوامُ أصلِ الدِّين، وبالفقهاء نظامُ أمور المسلمين.
وقال في قوله: {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ}: المعايشُ مختلفةٌ، فعيشُ المريدين بيُمْنِ إقبالِه، وعيشُ العارفين بلُطْفِ جمالِه، وعيشُ الموحِّدين بكشْفِ جلالِه، وكلٌّ مربوطٌ بحالِه، ولكلٍّ نصيبٌ مِن أفضالِه، والحقُّ غنيٌّ بذاتِه وصفاتِه وأفعالِه (٤).
(١) في (أ): "وماء" وليست في (ر).
(٢) في (ف): "لأنه يقول" بدل: "لما بدأ الآية بقوله".
(٣) في (ر) و (ف): "من الخلق ولفظة" بدل: "أطلق لفظة".
(٤) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (٢/ ٢٦٦).