وقال الرَّبيع بن أنسٍ: حضَّ (١) النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على الصَّفِّ الأوَّلِ في الصَّلاةِ، فازدحمَ النَّاسُ عليه، وكانت بنو عذرة دُورُهم قاصيةٌ عن المسجدِ، فقالوا: نبيعُ دورَنا ونشتري دورًا قريبة مِن المسجدِ، فنزلَتْ هذه الآية. وفيهم نزلَتْ أيضًا: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} يس: ١٢؛ أي: خُطاهم إلى المساجد (٢).
وقال القشيريُّ: إنَّا لنحنُ نحيي القلوبَ بالمشاهدةِ، ونميتُ النُّفوسَ بالمجاهدة، نحيي المريدِيْن بالذِّكْرِ، ونميْتُ الغافلِيْنَ بالهجر (٣).
وقال في قوله: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ}: هم العارفون يستقدمون بالهِمَم، والعابدون بالقَدَم، والتَّائبون بالنَّدَم، وقومٌ يستأخرون بالقَدَم وهم العُصاة، وقومٌ بالهِمَم وهم الرَّاضون بخسائس الحالات.
وقوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ}؛ أي: يبعثُ كلًّا على الوصفِ الَّذي خرجوا عليه مِن الدُّنيا؛ فمِن منفردِ القلبِ بربِّهِ، ومِنْ منطرحٍ في أوديةِ التَّفرقة، ثمَّ يحاسبهم على ما يستوجبونَه (٤).
* * *
(٢٦) - {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ}.
وقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ}: ثمَّ ذكرَ ابتداءَ خلقِ
(١) في (أ): "حرض".
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٥/ ٣٣٨). وروى البخاري (٦٥٦) عن أنسٍ: أنَّ بني سلمة أرادوا أن يتحولوا عن منازلهم فينزلوا قريبًا من النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: فكره رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يعروا المدينة، فقال: "ألا تحتسبون آثاركم". وانظر ما سيأتي في تفسير (سورة يس).
(٣) في (ر): "بالغفلة"، وفي (ف): "بالنحر".
(٤) انظر: "لطائف الإشارات" (٢/ ٢٦٨ - ٢٦٩).