وقوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}: ولَمَّا ذَكَرَ مَصيْرَ الغاوينَ (١) أتبَعَهُ ذِكْرَ ما أعدَّه للمخلصِيْنَ، وهم الَّذين اتَّقوا الشِّرك والمعاصيَ، فأخبرَ أنَّهم في بساتينَ فيها عيون، وقد سُمِّيَتْ في القرآن.
وقوله تعالى: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ}: أي: يُقال لهم: ادخلوا الجنَّات آمنِيْنَ؛ أي: سالمين غانمين (٢).
قال القشيريُّ رحمَه اللَّه: لم يذكرْ مَنْ يقولُ لهم ذلك، و قال قومٌ: يقولُ لهم ذلك الملَكُ.
وقيل: إذا وافَوا بأبواب الجنَّة بعدَ مقاساةِ الشَّدائد والأهوال، ومختلِفِ الأحوال، فمِن حقِّهم أن يَبتدِروا دخولَها، فقد أُبِيْحَتْ لهم، لكنَّهم يقفون احترامًا وانتظارًا للإذْنِ.
ولعلَّ قومًا إذا قالَت لهم الملائكةُ: {ادْخُلُوهَا} لم يدخلوا حتَّى يقولَ لهم الحقُّ: ادخلوا، وفي مثله قالوا:
ولا ألبَسُ النُّعْمَى وغيرُكَ مُلْبِسِي... ولا أقبلُ الدُّنيا وغيرُكَ واهِبُ (٣)
وقال: إنَّ الجنَّةَ دَرَجَاتٌ بعضُها أرفعُ مِن بعضٍ، ولهم اليومَ كذلك، فدرجةُ قومٍ حلاوةُ الخِدْمة ولذاذة الطَّاعة، ولقومٍ البَسْطُ والرَّاحة، ولآخرين الرَّجاءُ والرَّغبة، ولآخرين الأُنْسُ والقربة، قد علمَ كلُّ أناسٍ مشربَهم، ولزِمَ كلُّ فريقٍ اليومَ مذهبَهم (٤).
(١) في (ر) و (ف): "العادين".
(٢) في (أ): "ادخلوا الجنان سالمين آمنين".
(٣) البيت لأبي فراس الحمداني. انظر: "الدر الفريد" للمستعصمي (٢/ ٢١٧ - ٢١٨).
(٤) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (٢/ ٢٧٢ - ٢٧٣).