(٦١) - {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}.
وقوله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ}: أي: ولو يعاقبُ اللَّهُ الكفَّار بظلمِهم أنفسَهم وعقولَهم، وعبادَ اللَّه بصدِّهم عن الحقِّ.
{مَا تَرَكَ عَلَيْهَا}: أي: على الأرض، كنايةٌ عن مَكنيٍّ لم يَسبِقْ ذِكرُه، لكنَّه معلومٌ فصحَّ، كما في قوله: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} ص: ٣٢، وهو كقول لَبِيدٍ:
حتَّى إذا ألقَتْ يَدًا في كافرٍ... وأَجَنَّ عوراتِ الثُّغورِ ظلامُها (١)
يعني: الشَّمس.
وقوله تعالى: {مِنْ دَابَّةٍ}: أي: لأدَّى ذلك إلى أن لا يبقَى على الأرض مَن يدبُّ؛ أي: لخلَت الأرضُ عن سكَّانها.
وهذا يدلُّ على أنَّ للَّه تعالى أن (٢) يعاجلَهم بالعقوبة، وإنْ كان في المعلوم أنَّه لو أخَّرهم لتابوا عن المعاصي، خلافًا للمعتزلة القائلين بالأصلح.
{وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ}: أي: برحمتِه، لا يعاجلهم بها، ولكن يمهلُهم {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} عندَه، إمَّا في الدُّنيا إذا شاءَ أن يهلكَهم أهلكَهم، وإمَّا في الآخرة، وهو وقت الحساب، وهو الأجل المسمَّى لحساب الخلائق أجمعين، وأيُّ هذين الأجلَيْن حلَّ لم يتأخَّر العذابُ عنهم، وهو قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}.
* * *
(١) انظر: "ديوان لبيد" (ص: ١١٤).
(٢) في (ر): "أن اللَّه تعالى لن".