وقوله: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ}: ومن النِّعمِ التي عدَّها هذا، وقوله: {أَخْرَجَكُمْ} إثبات عجزنا في الابتداء؛ يعني: لم تكونوا قادرين بأنفسكم على الخروج فأنا أخرجتُكم.
{لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا}: فأنا علَّمتكم، وقولُه: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} البلد: ١٠، قيل: هو الهداية إلى رضاع الثَّديين.
وقوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}: راجعٌ إلى هذا؛ أي: جعل لكم آلات العلم والفهم.
وفي إثباتِ السَّمع إثباتُ النُّطق؛ لأنَّ مَن لم يسمَع لا يقدر على أن يتكلَّم.
يقول: خلقَكم وأعطاكم هذه الأعضاء السَّليمة، وأودعَها هذه المعانيَ؛ ليكلِّفَكم شكرَه بما أعطاكم، ويتعبَّدكم بشرائِعِه لتشكروا له على صنائعه.
وقال القشيريُّ رحمه اللَّه: جعلْتُ لكم السَّمع لتسمعوا خطابي، والأبصار لتعتبروا بأفعالي، والأفئدة لتعرفوا حقِّي، ثم تشكروا عظيم إنعامي بما أُنعمُ عليكم مِن هذه الحواسِّ (١).
* * *
(٧٩) - {أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.
وقوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ}: وهذا تنبيهٌ على الاعتبارِ بما يرونَه من الطَّير، وهو جمع طائرٍ.
(١) في (أ): "الخواص". انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (٢/ ٣١٠).