ثم هذه الكلمةُ يتكلَّم بها الواحدُ إذا أَخرج (١) الكلامَ مُخْرج خطابِ الملوك، قال تعالى: {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ} الحجر: ٢٣، ويتكلم بها الاثنان، قال تعالى خبرًا عن هاروتَ وماروتَ: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} البقرة: ١٠٢، ويتكلَّمُ بها الجماعةُ كما في هذه الآية: {إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}.
والإصلاحُ: ضدُّ الإفساد، والصَّلاح والصِّلاح والصُّلوح: ضدُّ الفساد.
وفي تصريفه ثلاثُ لغاتٍ: صَلُح يَصْلُح؛ كقولك: شَرُف يَشْرُف، وصَلَح يَصْلُح؛ كقولك: دَخَل يَدْخُل، وصَلَح يَصْلَح؛ كقولك: صَنَع يَصْنَع.
والصُّلح والمُصالحة والإصلاح (٢) من ذلك.
ثم لقولهم هذا وجوهٌ:
أحدها: أنهم أنكروا الإفساد -وهو النِّفاق وما نُهوا عنه- لأنهم كانوا يُخفون ذلك، فأَظْهَرَ اللَّه تعالى ما أضمَروا، وكَشَفَ ما ستَروا.
والثاني: أنهم اعتذروا إلى المسلمين، وقالوا: إنما نوافقُ الكفارَ ونمايلهم (٣) نريد بها الإصلاحَ بينهم وبين المؤمنين، وهذا قولُ ابن عباسٍ رضي اللَّه عنهما (٤).
والثالث: أنهم قالوا: نُصلح (٥) أمرَنا بموافقة الكفار في الباطن، وموافقةِ
(١) في (ف): "خرج".
(٢) في (ف): "والاصطلاح".
(٣) "ونمايلهم" كذا في النسخ، ولعل الصواب: "ونمالئهم" كما ذكرنا قريبًا، وفي "البحر المحيط": "إنَّ ممالأتنا الكفار".
(٤) رواه الطبري في "تفسيره" (١/ ٢٩٩)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (١/ ٤٥). وانظر: "البحر المحيط" لأبي حيان (١/ ١٨٥).
(٥) في (ر): "يصلح".