المؤمنين في الظاهر؛ نظرًا في العاقبة، حتى لو كان الظَّفَرُ لهؤلاء قالوا: نحن منكم (١)، ولو كان لهؤلاء قالوا لهم كذلك.
والرابع: أنَّ هذا جوابُ اليهود، وأظهَروا به أنَّ ما هم فيه إصلاحٌ وليس بإفسادٍ.
* * *
(١٢) - {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ}.
وقوله تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ}: (ألَا) كلمة تنبيهٍ، و (إنَّ) كلمة تأكيدٍ، و (هم) كنايةٌ عن المذكورين قبلَه، و (هم) ثانيًا تأكيدٌ؛ لأن التكريرَ تأكيدٌ (٢) وتقريرٌ، وهذا كقوله: {إِنِّي أَنَا اللَّهُ} القصص: ٣٠، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} الحجر: ٩، {هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} يوسف: ٩٨، {إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} البقرة: ١٢٨، {إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ} الأنبياء: ٦٤، {إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ} البقرة: ١٢.
أثبَتوا لأنفسهم اسمَ المُصلِحين، فنفاه اللَّه عنهم وأثبت لهم اسم المفسِدين، فكان (٣) لكلامهم أربعةُ أوجهٍ، وفي هذا ردُّهم على تلك الوجوه:
أما الأول: فكان إنكارًا منهم وإسرارًا، وكان هذا هتْكًا لأستارهم وإظهارًا.
والثاني: كان اعتذارًا بأنَّا نطلب الإصلاح باستمالة الكفار، فأَخبر بهذا أنَّ هذا إفسادٌ منهم، حيث علمَ الكفارُ أنَّ المنافقين لهم أنصارٌ، وهذا باعثٌ لهم على الإصرار.
والثالث: كان ظنًّا منهم أنَّ موافقةَ الفريقين من وجهين تنفعهم في الحالين،
(١) في (أ): "معكم".
(٢) في (ف): "التأكيد تكرير"، وفي هامشها: "صوابه: لأن التكرير تأكيد وتقرير".
(٣) في (أ): "وكان".