وقوله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ}: واتصالُها بالآية الأولى (١): أنه فصَّل الأعمال تفصيلًا في اللوح المحفوظ، وألزم كلَّ إنسان عملَه في عنقه؛ أي: قلَّدهم أعمالهم، فذلك قوله: {أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ}؛ أي: عمله في عنقه، وهو عملُه (٢) في الخير والشر.
وقال مقاتل بن حيَّان: {طَائِرَهُ} يعني: ما كان من خير وشرٍّ لا يفارقه حتى يحاسَب به (٣).
وقال الحسن: يعني: يُمْنَه وشُؤمَه، وسعادتَه وشقاوته (٤).
وأصله: ما يُتطيَّر منه ويُتفاءل به، من الطائر السانح (٥) البارح، فالذي يجيءُ من ذات اليمين يُتيمن به، والذي يجيء به من ذات الشمال يُتشاءم به.
ثم هو يتوجَّه وجهين: إلزام العمل، وإلزام جزاء العمل.
وقيل: {طَائِرَهُ}؛ أي: قَسْمُه، يقال: طيَّرتُ المالَ بين القوم فطار لفلانٍ كذا ولفلانِ كذا، وهو ظهور قَسْمِه.
وقوله تعالى: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا}: أي: ونخرج له الطائرَ،
(١) في (ف): "واتصالها بالأولى".
(٢) "في عنقه وهو عمله": ليس في (أ) و (ف).
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٦/ ٨٨)، والبغوي في "تفسيره" (٥/ ٨٢)، عن الكلبي ومقاتل.
(٤) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (١٦/ ٢٩٧) (ط: دار التفسير)، والبغوي في "تفسيره" (٥/ ٨٢)، دون قوله: "وسعادته وشقاوته".
(٥) في (ر) و (ف): "السارح"، والمثبت من (أ)، وهو الصواب؛ يقال: من لي بالسانح بعد البارح؛ أي: بالمبارك بعد الشؤم. انظر: "القاموس" (مادة: سنح).