كما قلنا في قوله: {وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} يوسف: ٢٤: أنه لمَّا ذكره معلَّقًا بالشرط كان نفيًا له أصلًا، وقوله: {لَيَفْتِنُونَكَ} بيانُ قصدهم لا فِعلُه.
وقال الإمام القشيري رحمه اللَّه: معناه: لو تركناك ونفسَك ورفعنا عنك ظلَّ العصمة لأَلْمَمْتَ بشيءٍ مما لا يجوزُ من مخالفةِ أمرنا، ولكنَّا ضربنا عليك سُرادقاتِ العصمة، وآويناك في كَنَف الرعاية، وحفظناك عن الأخطار باتِّباع هواك، فالزلة منك مع هذا محال، والافتراء في نفسك غير موهوم (١).
وقال قتادة: لمَّا نزلت هذه الآية قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللهمَّ لا تَكِلْني إلى نفسي طَرفةَ عين" (٢).
* * *
(٧٥) - {إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا}.
وقوله تعالى: {إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ}: أي: لو ركَنْتَ إليهم لأذقناك ضعفَ عذاب الحياة وضعف عذاب الممات، فمَن كانت درجتُه أرفعَ ونِعمُ اللَّه عليه أسبغَ كان وعيدُ اللَّه في حقه أبلغَ، ولذلك قال في حق نساء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} الأحزاب: ٣٠.
وقوله تعالى: {ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا}: أي: مانعًا عذابَنا عنك معينًا لك.
وإنما جاز إضمار العذاب في الضِّعف في هذه الآية لأن اللَّه تعالى وصف العذاب بالضعف في آية أخرى، فعُرف هاهنا أنه هو المراد به، قال تعالى: {فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ} ص: ٦١، وقال تعالى: {لِكُلٍّ ضِعْفٌ} الأعراف: ٣٨.
(١) انظر: "لطائف الإشارات" (٢/ ٣٦٢).
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (١٥/ ١٦). والمرفوع منه رواه الإمام أحمد في "المسند" (٢٠٤٣٠)، وأبو داود (٥٠٩٠)، من حديث أبي بكرة رضي اللَّه عنه.