(٢٩) - {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا}.
وقوله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ}: أي: وقلْ لهؤلاء: الحقُّ من ربكم جاء (١)، وهو الإيمان به، فلا ينبغي أن يُنظَر ضعفُ أهله وفقرُهم، بل يُعرَف هو بنفسه لا بأهله.
وقوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}: أي: فقد بان الحقُّ فليَختَرِ امرؤٌ (٢) لنفسه ما يشاء من الإيمان به والكفر به، على علمٍ بأن مَن كفر فجزاؤه ما ذكرناه في هذه الآية، ومَن آمن فجزاؤه ما ذكرناه في الآية التي بعدها، وهذا صيغتُه صيغةُ أمرٍ وفي الحقيقة هو أشدُّ تهديدًا وأبلغ زجرًا.
وقيل: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ} هو الأمر بالصبر مع هؤلاء.
وقيل: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ} هو الوعد والوعيد المذكوران في هذه الآية والتي بعدها.
وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: معناه: مَن شاء اللَّه له الإيمانَ آمن، ومَن شاء اللَّه له الكفرَ كفَر، وهو كقولِه تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} الإنسان: ٣٠ (٣).
وقولُه: {فَلْيُؤْمِنْ} على هذا صيغةُ أمرٍ بمعنى الخبر؛ كما روي: "إذا لم تستَحْيِ فاصنعْ ما شئتَ" (٤)؛ أي: صنعتَ ما شئتَ.
(١) "أي وقل لهؤلاء الحق من ربكم جاء" من (أ).
(٢) في (أ): "أمرًا".
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" (١٥/ ٢٤٤).
(٤) رواه البخاري (٣٤٨٤) من حديث ابن مسعود رضي اللَّه عنه.