و {مِنْ وَرَائِي} قال أبو عبيدة: أي: من جهة الموت الذي هو قدَّامي؛ قال الشاعر:
أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي... وقومي تميمٌ والفَلاةُ ورائيا (١)
أي: خِفْتُ عصَبتي الذين هم موجودون الآن ألَّا يقوموا مقامي في الدِّين بعد موتي، كأنه لم ير فيهم من الخِلال ما يَصلحون لذلك، فسأل من اللَّه تعالى ولدًا صالحًا لذلك.
وقيل: أي: خفتُ بني عمي على الدِّين (٢) من بعدي، وهم شرارُ بني إسرائيل.
وقوله تعالى: {وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا}: قيل: أي: ولدًا.
وقيل: أي: من الموالي مَن يصلح لذلك، فإن هؤلاء الموجودين لا يصلحون له.
قال هؤلاء: ولم يسأل ولدًا، فقد قال: {وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا}؛ أي: عقيمًا لا تلد، و (كانت) عبارةٌ عن تقادُم العهد وهو مما لا يزول غالبًا، فكان وصفًا منه لها بذلك للحال أيضًا، فكان لا يطمع في الولد منها، وإنما سأل عصَبةً تصلُح له.
واستدلوا بقوله لمَّا بُشِّر به: {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ} وهو تعجُّبٌ منه، ولو كان استوهَبَ الولدَ ثم بشِّر بذلك لم يستعظِمْه.
قالوا: فدل على (٣) أن معنى قوله: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا}؛ أي: مولًى، فإن المولى والوليَّ واحد.
(١) انظر: "مجاز القرآن" لأبي عبيدة (٢/ ٢)، ونسب البيت فيه لمساور بن حمئان من بني ربيعة، ونسب في "الكامل" للمبرد (٢/ ٢٦٨)، و"الأضداد" للأصمعي (ص: ٢٠)، لسوار بن المضرَّب.
(٢) في (ف): "الذين" بدل: "على الدين".
(٣) "على" ليست في (ف).