{قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا}: والتقيُّ يعيذ مَن استعاذ باللَّه، وغيرُ التقي لا ينفع ذلك عنده، وهو كقوله تعالى: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} البقرة: ٢٧٨.
* * *
(١٩) - {قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا}.
وقوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ}: أمَّنها مما خافت، وأخبر أنه ليس بآدميٍّ يُخافُ منه، بل هو رسول من اللَّه تعالى.
وقوله تعالى: {لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا}: قرأ أبو عمرو ونافع: {لِأَهَبَ لَكِ} (١)؛ أي: ليَهَب اللَّه لك؛ أي: أنا مبشِّر لك بذلك، وقرأ الباقون: {لِأَهَبَ لَكِ}؛ أي: أتسبَّبَ بهبة (٢) اللَّه لك ذلك، وهو ما كان من نفخه في جيبها بأمر اللَّه عز وجل.
وقيل: أضمر القول هاهنا: إنما أنا رسول ربِّك بقولِ اللَّه تعالى: {لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا}؛ أي: ابنًا صالحًا طيِّبًا طاهرًا.
وقال عكرمة: كانت مريم تكون في المسجد ما دامت في الطهر، فإذا حاضت تحوَّلت (٣) إلى بيت خالتها حتى إذا طهرت عادت إلى المسحد، فبينا هى تتطهَّر من الحيض عَرَض لها جبريل في صورةِ غلامٍ أمردَ وضيءِ الوجه، فلما رأته مريم قالت: {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ} الآية (٤).
(١) هي قراءة أبي عمرو، وورش عن نافع، والحلواني عن قالون عن نافع. انظر: "التيسير" (ص: ١٤٨)، و"النشر" (٢/ ٣١٧).
(٢) في (أ): "السبب لهبة"، وفي (ر): "بسبب هبة".
(٣) في (ر): "خرجت".
(٤) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٦/ ٢٠٩)، والبغوي في "تفسيره" (٥/ ٢٢٣).