وقوله تعالى: {فَكُلِي}: أي: من الرُّطَبِ الجنيِّ {وَاشْرَبِي} من ماء السَّرِيِّ {وَقَرِّي عَيْنًا}؛ أي: بالولد الرَّضي، وهذا كلُّه لإزالة حزنها كما قال: {وَلَا تَحْزَنِىَ}.
وقوله تعالى: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا}: (إمَّا) أصله: (إنْ ما) كلمةُ شرطٍ مؤكَّدةٌ بـ (ما)، {تَرَيِنَّ} النون المشدَّدة للتأكيد.
وقوله تعالى: {فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ}: أي: التزمْتُ {لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا}؛ أي: صمتًا وإمساكًا عن الكلام.
وقيل: أي: حقيقةَ صوم، وكان صومهم فيه الصمتَ، فكان ذكرُه والتزامُه (١) التزامَه.
ثم قيل: لمَّا التزمت الصمتَ فلمَ قالت: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} وهذا كلام منها (٢)، وتركُ الصمت الذي نذرته؟
وجوابه: أن بعضهم قال: قالت ذلك إشارةً لا نطقًا، وقد تسمى الإشارة على الشيء كلامًا وقولًا، قال الشاعر في وصف القبور:
وتكلمتْ عن أوجهٍ تَبْلَى. . . . . (٣)
وقال آخر في وصف الناقة:
تقولُ إذا دَرَأْتُ لها وَضِيني... أهذا دِينُه أبدًا ودِيني
أكلَّ الدَّهرِ حِلٌّ وارتحالٌ... أمَا يُبْقِي عَلَيَّ ولا يَقِينَي (٤)
(١) "والتزامه" ليست في (ف).
(٢) في (ر) و (ف): "كلامها".
(٣) وتمامه: وعن صور شُتُتْ، والبيت لأبي العتاهية. انظر: "ديوانه" (ص: ٩٢)، و"الشعر والشعراء" (٢/ ٧٨٢).
(٤) البيت للمثقب العبدي. انظر: "المفضليات" (ص: ٢٩٢)، و"مجاز القرآن" (١/ ٢٤٧ - ٢٤٨)، =