وقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ}: (لو) كلمةُ شرطٍ، والمعلَّق به يَمتنِعُ بامتناعِ شرطه، وقد يكون للتمنِّي كما في قوله: {لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} الزمر: ٥٨. والمشيئة: الإرادة.
وقوله تعالى: {لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ}: أي: لأَذْهَبها، فالتَّعدِيَة قد تقع بالباء أيضًا.
ثم ذكرُ السمعِ على الوحدان -مع إضافتِه إلى الجمع- وذكرُ الأبصار (١) بالجمع؛ لِمَا مر في قوله: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} البقرة: ٧.
وتفسيرُ هذه الكلمات: ولو شاء اللَّهُ لذهب بسمعِ رؤوسهم وأبصارِ رؤوسهم كما ذهب بسمع قلوبهم وأبصارها.
وقيل: ولو شاء اللَّه لجعلهم صمًّا وعميًا في الآخرة كما جعلهم في الدنيا كذلك.
وقيل: ولو شاء اللَّه لذهب بأعيانِ الأسماع والأبصار منهم كما ذهب بمنافع الأسماع والأبصار منهم.
وبمعرفة هذه الأقاويلِ اندفع (٢) سؤالُ مَن سأل فقال: لمَّا قال: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} فقد نفَى السمعَ والنُّطق والبصر عنهم، فما معنى تعليقِ إذهابها عنهم بالمشيئة؟
لأنَّا نقول: ما نفاه عنهم غيرُ ما علَّق إذهابَه عنهم بالمشيئة، وهو ما ذكرنا.
وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}: (كلّ) كلمةُ استيعابٍ يتناول جميع ما دخل فيه، والشيءُ اسمٌ لكل موجودٍ، وهاهنا هو اسمٌ لكلِّ موجودٍ مخلوقٍ، لأنه هو الذي يجوز دخولُه تحت القدرة.
(١) في (ر) و (ف): "على الوحدان والأبصار".
(٢) في (ف): "يدفع".